Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 145-147)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن المحرمات من المطعومات بقوله تعالى : { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً } [ الأنعام : 145 ] ، إلى قوله : { وِإِنَّا لَصَٰدِقُونَ } [ الأنعام : 146 ] ، الإشارة : إنَّ الشارع على الحقيقة هو الله تعالى ، وليس للنبي صلى الله عليه وسلم أمر في التحليل والتحريم ، فقال تعالى : { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } [ الأنعام : 145 ] ، يعني : أنا لا أجد إلى تحريم شيء فإني لا أقدر أن أحرمه والذي يدل هذا التأويل قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكَ } [ التحريم : 1 ] . وقوله تعالى : { إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ } [ الأنعام : 145 ] ، أي : أجد هذه الأشياء محرماً فيما أتى فأحرمها ، ويشير به إلى : ميتة الدنيا : فإنها جيفة مستحيلة ، كما قال بعضهم : وما هي إلا جيفة مستحيلة عليها كلاب من اجتذابها ، فإن تجنيتها كنت سالماً لأهلها ، وإن تجتذبها نازعتك كلابها . والدم المسفوح : هو الشهوات اللذات التي يهراق عليها دم الدين ولحم الخنزير : هو كل رجس من أعمال الشيطان كما قال تعالى : { إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ } [ المائدة : 90 ] . وحقيقة الرجس : الاضطراب عن طريق الحق والبعد منه ، كما جاء في الخبر لمَّا ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى ؛ أي : اضطرب وتحرك حركة سمع لها صوت ، فالرجس : ما يبعدك عن الحق ، أو فسقاً أهل لغير الله به ؛ أي : خروجاً عن طلب الحق في طلب غير الحق ، فالشروع في هذه الأشياء محرم ؛ لأنها تحرمك عن الله وقربانه . ثم قال تعالى : { فَمَنِ ٱضْطُرَّ } [ الأنعام : 145 ] ؛ يعني : إلى شيء من هذه الأشياء لضرورة الحاجة الإنسانية فيشرع فيه ، { غَيْرَ بَاغٍ } [ الأنعام : 145 ] ؛ يعني : غير طالب له وراغب عن الله سبحانه وتعالى ، { وَلاَ عَادٍ } [ الأنعام : 145 ] ؛ أي : غير متجاوز عن حد طلب الحق ، ومتعدٍ عن حد ترك الشَّاغل عن الله تعالى عاد من الدنيا وغيرها ، { فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ } [ الأنعام : 145 ] ، يغفر الضروريات بمغفرته إذا استغفرته ، { رَّحِيمٌ } [ الأنعام : 145 ] ، بك عند الرجوع إليه ، يرحمك ويعفو عنك ما اضطرك إليه . وفي قوله تعالى : { وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } [ الأنعام : 146 ] ، الإشارة : إلى أن يقوم الله تعالى على العباد ، وأما إن كان رحمة وعطفة منه عليهم لما علم علم أن فيه ضرراً نفسانياً أو روحانياً دفعه بالتحريم عنهم ، فالنفساني : كضرر السُّم وأمثاله ، والروحاني : كضرر لحوم السباع المؤذيات وأمثالها ، فإنه بتعدي أخلاقها تغير الأخلاق الروحانية ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " الرضاع بغير الطباع " ؛ وأما إن كان بلاء ونعمة عليهم ليكون أمراً عليهم جزاء لبغيهم على ما أمرهم الله بها أو نهاهم عنه ، ولهذا نبه الله تعالى هذه الأمة بقوله : { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } [ البقرة : 286 ] رحمة منه عليهم ، دفعا لبلاء الأضرار في الدنيا والآخرة يدل عليه قوله تعالى : { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ السجدة : 21 ] ، العذاب الأدنى ؛ يعني : في الدنيا ، والعذاب الأكبر ؛ يعني : في الآخرة . ثم أخبر عن سعته ورحمته وسطوه نعمته بقوله تعالى : { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ } [ الأنعام : 147 ] ، إلى قوله تعالى { وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } [ الأنعام : 150 ] . الإشارة فيها : إن ما أنعمنا عليك به وأمرناك أن تتحدث به ، فإن كذبوا من قصور عقلهم ودناءة همتهم ، فقل ربكم ذو رحمة واسعة تسعى كل شيء من سعتها وهي أوسع ، فما توهمون وتفهمون ، أو تظنون وتعلمون ، { وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ } [ الأنعام : 147 ] يعني : في سعته رحمته بأنه شديد وقهره كامل كما أن للطفه ورحمته مظهراً وهم : المطيعون ، كذلك لباسه وقهره مظهراً وهم : المجرمون المكذبون المعرضون عن طلب الحق في متابعة الأنبياء - عليهم السلام - .