Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 141-144)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر بربوبيته عن هويته ، بقوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ } [ الأنعام : 141 ] ، إلى قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ } [ الأنعام : 144 ] ، الإشارة فيها : إن الله تعالى عرَّف ذاته بصفاته ، وقال : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ } ؛ بساتين في الظاهر كما مرَّ ذكره في المعاني ، وبساتين في القلوب ، مغروسات وغير مغروسات ، كما هي قراءة علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه ورضي الله عنه - فالمغروسات : لمغرسة الله تعالى في أرض القلوب من شجرة الإسلام والإيمان والإحسان ، وما يتعلق بصفات الحق تعالى ، كما قال جل جلاله : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ } [ إبراهيم : 24 ] ، وغير المغروسات : هي أشجار من صفات الروحانية ، التي جبلت القلوب عليها مثل : السخاء والحياء والوفاء والمروة والفتوة والشفقة والعفة والحلم والعلم والعقل والشجاعة والقناعة وأمثالها ، فإن بساتين القلوب بها موفقة ، وشموس الأسرار منها مشرقة ، وأنهار المعارف فيها زاخرة ، وأزهار الشواهد عنها زاهرة . { وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ } [ الأنعام : 141 ] ، يشير إلى : نخل الإيمان ، وزرع للأعمال الصالحة ، وزيتون الأخلاق الحميدة ، ورمان الإخلاص ، فإنه مختلف ثمارها متشابه أعمالها غير متشابه أحوالها ، { كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ } [ الأنعام : 141 ] ؛ يعني : انتفعوا من ثمار الإيمان والأعمال والأخلاق والإخلاص بالشواهد ، والأحوال بالدَّعاوي ، والنيل قبل الإثمار ، { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [ الأنعام : 141 ] ، حقه دعوة الخلق بالحكمة والموعظة إلى الحق وتربيتهم بالتسليك إليه ، ويشير بيوم الحصاد : إلى أوآن بلوغ سلوك السالك مبلغ الرجال البالغين ، عند إدراكه ثمرة الكمال للواصلين ، دون السالك الذي يعد متردد بين المنازل والمراحل ، فإن اشتغل بالدعوة ينقطع عن الوصول والوصال ، والبلوغ إلى الكمال ، { وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } [ الأنعام : 141 ] ، والإسراف عند القوم : الشروع في الكلام قبل وقته والحرص على الدعوة ، { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } [ الأنعام : 141 ] ، الموصوفين بهذه الصفات الممكورين المنكورين { وَمِنَ ٱلأَنْعَٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشاً } [ الأنعام : 142 ] ، يشير بها : إلى أن الصفات الحيوانية التي هي مركزة في الإنسان ، منها : ما هو مستعد لحمل الأمانة وتكاليف الشرع ، ومنها : ما هو مستعد للأكل والشرب لعلاج القالب في قوام البشرية وقوام الإنسانية . { كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } [ الأنعام : 142 ] ، فالرزق لا يتخصص بالمأكولات فحسب ، بل هو شائع في جميع ما يحصل به الانتفاع ، فالظاهر رزق : وهو النعم ، والباطن رزق : وهو الكرم ، فرزق القلب : هو التحقيق من حيث البرهان ، ورزق السر : هو شهود العرفان بلحظة العيان ، فانتفعوا من هذه الأرزاق ، { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ } [ الأنعام : 142 ] ، في ترك الانتفاع ببعض هذه الأرزاق ، ومبالغة الانتفاع ببعضها ، { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } [ الأنعام : 142 ] ، يخرجكم بالتفريط والإفراط عند حد الاعتدال . ثم أشار إلى : تلك الصفات المذكورة ، وأربعة منها بمثابة الحيوانية ، وشرحها بقوله تعالى : { ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ } [ الأنعام : 143 ] ، أي : من ثمانية صفات ؛ أربعة منها بمثابة الأثاث ، يتولد من كل ذكر أو أنثى ، منها صفات أخرى ليست واحدة منها موصوفة في محلها ، أو محرمة ، بل جميعها حميدة مندوب إليها في محلها ، إذا كانت محروزة عن طرف الإفراط والتفريط . ومنها ما أشار إليه ، بقوله تعالى : { مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ } [ الأنعام : 143 ] ، يعني : بهما الذكر والأنثى ، { وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ } [ الأنعام : 143 ] ، { وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ } ، والضأن والمعز جنس واحد في الفرشية ، كما أن الإبل والبقر جنس واحد في الحمولة ، فيشير : بالضأن والمعز إلى الصفات البهيمية ، وهي أربعة : اثنان منها بمثابة الذكور ؛ وهما : صفة شهوة البطن ، وشهوة الفرج ، واثنين منهما بمثابة الأنثى ؛ وهي : صفة حسن الخلق عند الاستمتاع بها ، والتسليم عند تحمل الأذى وإصابة الخير منها ، ما أشار إليها ، بقوله تعالى : { وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ } [ الأنعام : 144 ] ، أراد الذكر والأنثى ، { وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ } [ الأنعام : 144 ] ، أراد الذكر والأنثى ، والإبل والبقر من جنس واحد ، أراد في الحمولة ، فيشير : بالإبل والبقر إلى الصفات الحيوانية ، وهي أربعة : اثنان منها بمثابة الذكر ؛ وهما : صفتا الظلومية والجهولية ، واثنان منها بمثابة الأنثى ؛ وهما : الحمولية والاستسلام ، فهذه الصفات صار الإنسان حامل أعباء الأمانة التي أبت المكونات عن حملها أشفقن منها ، وهي أيضاً حملة عرش القلب ، كما أن الملائكة الذين يحملون فوقهم عرش ربك ثمانية ، فافهم جيداً . ثم قال تعالى : { قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ } [ الأنعام : 144 ] ؛ يعني : من بعد هذه الصفات { حَرَّمَ } [ الأنعام : 144 ] ، أي : أمر الله فيها ، ومحوها وترك استعمالها ، كما هو مذهب الفلاسفة في نفي الصفات الحيوانية والبهيمية ، { أَمِ ٱلأُنْثَيَيْنِ } فما مر ذكرها { أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا } [ الأنعام : 144 ] ، يعني : المتولدة من هذه الصفات الثمانية ، عند استعمالها على قانون الشريعة ودعائم دقائق الطريقة في تزكيتها وتثبيتها على صراط مستقيم الاعتدال ، { نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ } [ الأنعام : 143 ] ، معقول ، أو منقول ، أو منظور ، أو مشاهد مكشوف ، { إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ } [ الأنعام : 143 ] ، أيها المتفلسفة الظَّالُّون عن متابعة الأنبياء والأولياء والمرسلين . ثم قال تعالى : { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } [ الأنعام : 144 ] ، أي : من الذين يدعون الحكمة ، ويقولون : قد أغنانا الله تعالى عن متابعة الأنبياء ، والأنبياء حكم ، ونحن أيضاً حكماً ، { لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ } [ الأنعام : 144 ] ، بهذه الشبهة وغيرها من الشبهات ، { بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ الأنعام : 144 ] ، أي : حكمة أتاهم الله من فضله ، كما أتاها أنبياءه وأولياءه ، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ } [ الأنعام : 144 ] ، إلى طريق السداد وسبيل الرشاد ، وهم في الضلالة دائمون ، وعلى ظلم الإضلال قائمون .