Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 151-153)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن المحرمات على البنين والبنات بقوله تعالى : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } [ الأنعام : 151 ] إلى قوله { تَتَّقُونَ } [ الأنعام : 153 ] . الإشارة فيها إلى قوله تعالى : { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } وآل على أن المحرم والمحل هو الله تعالى ، وليس لأحد أن يحرم ما أحل الله لك ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبلغ والمبين ما أحل الله وما حرمه . ثم اعلم أن هذه الآيات لتشتمل على عشر خصال جامعة للخير كله : أولها : ألاَّ تشركوا به شيئاً قدم الشرك ؛ فإنه رأس المحرمات ، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 ] ، فإنه لا يقبل معه شيئاً من الطاعات ، وهو ينقسم إلى جلي وخفي ؛ فالجلي : عبادة الأصنام ومتابعة الهوى في الأنام ، فقال تعالى : { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [ الفرقان : 43 ] ، والخفي : ملاحظة الأنام بعين استحكام الإعظام ورؤية الأغيار مع الله الواحد القهار . وثانيها : قوله تعالى : { وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [ الأنعام : 151 ] ، وإنما ذكر بعد تحريم الشرك تحريم العقوق والأمر بالإحسان إلى الوالدين ؛ لأنهما سبب وجوده ومظهره ، كما أن الله تعالى موجد وجوده ومبدعه ومبدئه فحرم عقوقهما بعد تحريم الشرك به ، وأوجب الإحسان إليهما بعد القيام بعبادته ، كما قال تعالى : { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [ الإسراء : 23 ] ، إقامة لحقوقهما بعد الإقامة لحقوق الله تعالى ، فالتقاعد عن أداء حقوقهما عقوق فهو أكبر الكبائر . وثالثها : قوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } [ الأنعام : 151 ] ، ثم حرم قتل الأولاد بعد تحريم العقوق ؛ لما فيه من هدم بنيان الله تعالى ، وملعون من هدم بنيانه ، وفيه إبطال ثمرة ، وشجرة وجوده ، وقطع نسله ، وفيه خشية إملاق ؛ وهي ترك التوكل على الله وعدم الثقة بالله إن يرزقهم وذلك يؤدي إلى تكذيب الله تعالى ؛ لأنه قال تعالى : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } [ هود : 6 ] . ورابعها : قوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } [ الأنعام : 151 ] ، ثم الفواحش جميعها ، وقد يدخل في ذلك جميع أقسام الآثام ما ظهر منها : وهو ما يبعده من الجنة ويدينه ، وباطن منها : وهو ما يبعده عن الحق ويحجبه عنه ، وإن لم يحجبه عن الجنة ولم يبعده منها ، وأيضاً ما ظهر منها بالفعل ، وما بطن بالنية . وخامسها : قوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } [ الأنعام : 151 ] ، ثم حرَّم القتل إلا بالحق ؛ أي : وإلا في طلب الحق ، فإن المقتول في سبيل الله هو حي عند ربه ، وفي قتل ترك تعظيم أمر الحق وترك الشفقة على الخلق وهما ملاك الدين { ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ } [ الأنعام : 151 ] ، يعني : هذه الخمسة المحرمة ، { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [ الأنعام : 151 ] ، لكي تعرفوا موجبات الانقطاع عن الله تعالى فتحرزوا عنها . وسادسها : قوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } [ الأنعام : 152 ] ، والأشدة : الصلاح ، والفقه ؛ يعني : يتفقه في الصلاح للدين لا في إفساد الدنيا ، ثم حرَّم المال بعد تحريم قتل النفس ؛ لأن حرمة مال المسلم كحرمة دمه ، وقدم مال اليتيم ؛ لأنه عاجز عن حفظ ماله ، فإن الله تولاه ، { وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } [ الأنعام : 152 ] ، وفيه معنيان : أمره وحي الخلق بالاجتناب عن ماله وبالشفقة والنظر في حقه . وسابعها : قوله تعالى : { وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ } وفيه معنيان : أحدهما : تحريم الطمع في مال المسلم بنقصان الكيل والوزن عند الوفاء وأتاه بزيادتهما عند الاستيفاء . والثاني : أوفوا الكيل وميزان الشرع بحقوق الربوبية ، واستوفوا بكيل الاجتهاد وميزان الاقتصاد وحظوظ العبودية من الألوهية ، { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً } [ الأنعام : 152 ] في إبقاء الحقوق واستيفاء الحظوظ ، { إِلاَّ وُسْعَهَا } [ الأنعام : 152 ] إلا بحسب استعدادها . وثامنها : قوله تعالى : { وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ } [ الأنعام : 152 ] ثم حرَّم الظلم والجور والميل في الفعل المقال ، { وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } [ الأنعام : 152 ] أي : ولو كان المسلم على الكافر والكافر على المسلم وحقيقته العدل في الكلام أن ما يذكر الله تعالى ولا يذكر معه غيره ، وأن يتكلم لله وفي الله وبالله . وتاسعها : قوله تعالى : { وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ } [ الأنعام : 152 ] ثم حرَّم نقص العهد مع الله وأمر بالوفاء بعهده عليه ، وهو ألاَّ يعبد إلا مولاه ولا يحث إلا إياه ولا يرى سواه ، { ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ } [ الأنعام : 152 ] يعني : هذه المحرمة الأخرى ، { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [ الأنعام : 152 ] ؛ لكي تذكروا أيام الوصال في حضرة الجلال ومشاهدة ذلك الجمال : @ أياماً قضت بذي القضاء سقاهن رجاف العشى بطول إذا العيش غض والشباب بمائه وفي حدثان الدهر عنك غفول ونحن بربع إن تطأه ثوابت ولا استجيب للهم فيه ذبول @@ وعاشرها : قوله تعالى : { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [ الأنعام : 153 ] ثم حرَّم إتباع كل سبيل الله ، وأمر باتباع طريق محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال تعالى : { وَأَنَّ هَـٰذَا } أي : ذكرنا من الخصال العشر ، { صِرَاطِي مُسْتَقِيماً } يعني : إلى الله تعالى وهو صراط محمد صلى الله عليه وسلم ، واختص هذه الأمة باتباع صراط إلى الله تعالى . ثم قال جل جلاله : { ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ } [ الأنعام : 153 ] أي : بمتابعته وصيتكم في السير إلى الله ، { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ الأنعام : 153 ] بالله وتحترزون عن غير الله .