Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 154-158)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن ثلاثة غير هذه بقوله تعالى : { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ } [ الأنعام : 154 ] يشير إلى حال نبينا صلى الله عليه وسلم من وجهين : أحدهما : إنه تعالى لمَّا ذكر الخصال العشر وخصَّ بها النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة وقال تعالى : { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ } [ الأنعام : 153 ] ثم قال تعالى : { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً } [ الأنعام : 154 ] ، ثم أخبر منك يا محمد أن آتينا موسى الكتاب قبلك تماماً على الذي أحسن ؛ يعني : إتماماً لدينك على من أسلم من أمتك إسلامه ، فإن الكتب المنزلة كلها وشرائع الأنبياء - عليهم السلام - كانت تتمه للدين الخفي الذي هو الإسلام ، وهو الدين المرضي بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } [ آل عمران : 19 ] ، وبهذا السر أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإتباع الأنبياء والاقتداء بهم ، كما قال تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [ الأنعام : 90 ] للجمع بين هداه وهداهم إتماماً للدين وتكميلاً له فلم تم هداه بالقرآن ، وتم اقتداه بهداهم قال تعالى : { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً } [ المائدة : 3 ] . والوجه الثاني : إن الذي أحسن هو النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فأراد بالذي أحسن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه كان مخصوصاً من بين الأنبياء - عليهم السلام - بالرؤية ؛ ولهذا السر قد سمَّاه الله تعالى محسناً بقوله : { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً } [ النساء : 125 ] ، فالمعنى : آتينا موسى الكتاب تماماً على محمداً ؛ أي : لتكميله في النبوة والرسالة يدل عليه قوله تعالى : { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } [ هود : 120 ] ، { وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ } [ الأنعام : 154 ] أي : وبياناً وشرحاً لدينه . { وَهُدًى وَرَحْمَةً } على أمته ، { لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } [ الأنعام : 154 ] ؛ أي : لكي يؤمنوا هذه الأمة برؤية ربهم فهم مخصوصون بهذه الكرامة كما خص نبيهم بها فيتشمروا عن ساق الجد في طلبها ثم قال تعالى : { وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ } [ الأنعام : 155 ] ، أي : أنزلناه أيضاً لإتمام نبوتك ودينك ، { مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ } [ الأنعام : 155 ] أي : فاعتصموا به ، { وَٱتَّقُواْ } [ الأنعام : 155 ] عن غير الله بالله ، { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ الأنعام : 155 ] فتحوجون عن الوجود المجازي وتصلون إلى الوجود الحقيقي بنور القرآن ، { أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا } [ الأنعام : 156 ] ، أي فاحترزوا { أَن تَقُولُوۤاْ } إذا لم تنتفعوا بالقرآن : { إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } [ الأنعام : 156 ] { أَوْ تَقُولُواْ } [ الأنعام : 157 ] أي : لئلا تقولوا ، { لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ } [ الأنعام : 157 ] أي : في السير إلى الله . { فَقَدْ جَآءَكُمْ } [ الأنعام : 157 ] ، يعني : في هذا القرآن ، { بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } [ الأنعام : 157 ] ما بين لكم طريق السير إلى الله والوصول ، { وَهُدًى } [ الأنعام : 157 ] وما يهديكم إلى الله أتم وأكمل مما جاءهم في الكتابين ؛ لأنه { وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ } [ الأنعام : 59 ] ، وإحدى بركة القرآن كل ما في الكتب المنزلة من أسباب الهداية إلى الله تعالى مندرج في القرآن منفرد بكثير منها ، { وَرَحْمَةٌ } [ الأنعام : 157 ] أي : قد جاءكم محمد صلى الله عليه وسلم وهو رحمة مهداة ليوصلكم إلى الله ، فإن لكم فيه { أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [ الأحزاب : 21 ] ، { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } [ الأنعام : 157 ] يعني : بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم ، { وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } [ الأنعام : 157 ] والفرقة والقطيعة ، { بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ } [ الأنعام : 157 ] يعرضون عنها عن هدايتنا . ثم أخبر عن انتظار أهل الإنكار بقوله : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } [ الأنعام : 158 ] الإشارة فيها : أن القوم بعد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو صورة الهداية من الله ، وبعد نزول الكتاب المبارك الذي هو المعتصم للوصول إلى الله تعالى في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ، هل ينظر ! { هَلْ يَنظُرُونَ } [ الأنعام : 158 ] ، أي : ينتظرون ، { إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } [ الأنعام : 158 ] عياناً وتسوقهم إلى الله قهراً وقهراً ، إذ هم لم يعتصموا بالقرآن ، ولم يتبعوا النبي ، ولم يهتد بهدايته ، ولم يتسلكوا بتسليكه . { أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ } [ الأنعام : 158 ] ، يعني : إذ لم يأتوا إليه في متابعتك يأتي ربهم إليهم ويقطع مسافة البعد والحجب لهم ، { أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ } [ الأنعام : 158 ] فيكشف الغطاء يوم ، { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ } [ الأنعام : 158 ] اللقاء ، وبعد كشف الغطاء ، { لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً } [ الأنعام : 158 ] وذلك ؛ لأن الله تعالى جعل نفس الإنسان وقلبه أرضاً صالحة لقبول بذر الإيمان وإنباته وتربيته ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " لا إله إلا الله ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء البقلة " فالبذر : هو قول المرء أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله عند تصديق القلب بشهادة اللسان ، وإنما كان زمان هذه الزراعة زمان الدنيا لا زمان الآخرة ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : " الدنيا مزرعة الآخرة " يوم باقي بعض آياته ربك لا ينفع نفساً في زمان الآخرة بذر إيمانها لم تكن آمنت أي : بذرت من قبل في زمان الدنيا ، أو كسبت في إيمانها خيرّاً من الأعمال الصالحة التي ترفع الكلمات الطيبة وهي : لا إله إلا الله ، وتجعلها شجرة طيبة مثمرة تؤتى أكلها حين بإذن ربها من ثمار المعرفة والمحبة والكشف والمشاهدة والوصول والوصال ونيل الكمال ، { قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ } [ الأنعام : 158 ] أيها المنتظرون للمستحيلات ، { إِنَّا مُنتَظِرُونَ } [ الأنعام : 158 ] للميعاد في المعاد بما وعدناهم من العذاب والعقاب .