Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 164-165)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن بقيته صلى الله عليه وسلم : إنه هو الله غير خلقته بقوله تعالى : { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } [ الأنعام : 164 ] الإشارة فيها : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان غاية منتهاه ، ونهاية قصده الله رب العالمين ، حتى قال الله عز وجل : { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } [ الأنعام : 164 ] ، أي : كيف أطلب غير الله وهو حبيبي ، والمحب لا يطلب إلا الحبيب ، وكل شيء طلب دونه فهو رب ذلك الشيء ومالكه ، فإذا كان هو لي يكون ما له لي ، وإن قبلت غيره لم أجده ، وكل خير وجدته [ غيره ] يكون عليَّ ، كما قال تعالى : { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا } [ الأنعام : 164 ] ، يعني : إن النفس إنما تكسب بأمر هواها ، { إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } [ يوسف : 53 ] ، ولهذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم : " لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك " . واعلم أن النفس مأمورة بالسَّير إلى الله بقدم العبودية والأعمال الصالحات بقوله : { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ * ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [ الفجر : 27 - 28 ] ، وإن اطمئنانها بالطبع إلى الدنيا وزخارفها مخالف لأمر الله تعالى وهو وزرها وسيرها إلى الدَّركات السفلى ، فلا يمكن لغيرها أن يحمل قدرها ، وإنَّ القلب إذا كان سليماً من كدورات صفات النفس باقياً على ما جبل عليه من حب الله تعالى وطلبه مزيناً بنور الإيمان وحبه لا يؤخذ بمعاملة النفس وزرها ، كما قال تعالى : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [ الأنعام : 164 ] ، والنفس مأخوذة بوزرها معاً معاقبة بما هي أهله ولا يتألم القلب بعذابها ، وإن كان القلب منقلب الحال وأزاغه الحق تعالى بإصبع القهر إلى محاذاة النفس فينطبع مرآة القلب بصفات النفس وأخلاقها ، فيتبع النفس وهواها فيزول بطبع الشهوات ولذاتها ، ويكسب الإثم والوزر بترك ما هو مأمور به من ؛ الطهارة والصفاء والسلامة والذكر والفكر والتوحيد لله تعالى والإيمان به والتوكل عليه والصدق والإخلاص في القلب والعبودية ، وغير ذلك من أعمال القلب فيكون مأخوذاً بوزره لا بوزر غيره ، كما قال تعالى : { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ المطففين : 14 ] . ثم عرَّف الله تعالى نفسه الخلق بتعريفهم أنفسهم فقال : { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ } [ الأنعام : 165 ] ، أي : جعل واحد من بني آدم ابن وقته وخليفة ربه في الأرض ، وسر خلافته ؛ أن صوره على صورة صفات نفسه حياً قيوماً سميعاً بصيراً عالماً قادراً مريداً متكلماً ، { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } [ الأنعام : 165 ] ، في الخلافة واستعدادها ، { لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ } [ الأنعام : 165 ] ، من صفاته واستعداد الخلافة ؛ ليظهر من تخلق بأخلاقه منكم القائم به وبأوامره في العباد والبلاد ، ومن الذي رجع قهري إلى صفات البهائم والأنعام وأبطل الاستعداد للخلافة فيكون من زمرة أولئك ، { كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } [ الفرقان : 44 ] . { إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } [ الأنعام : 165 ] ، يعني : مربيك يا محمد الذي بلغك أقصى مراتب الخلافة سريع العقاب لمبطلي استعداد الخلافة ومضيعي صفات الحق بتبديلها بصفات الحيوانات ، بأن ، { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ } [ البقرة : 7 ] ، وجعلهم ، { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [ البقرة : 18 ] ، إلى مكان من الغيب الذين خرجوا منه ، وهم محبوسون في سجن أسفل سافلين وفي حبس ، { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } [ المطففين : 7 ] . { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ } [ الأنعام : 165 ] ، لمن تاب عن متابعة النفس والهوى ومخالفة الحق والهدى وآمن وعمل صالحاً للخلافة ، { رَّحِيمٌ } [ الأنعام : 165 ] ، بمن رحمه ووفقه لمرضاته ويرفع درجاته .