Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 38-42)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن الأمم من بعضها مثل النعم بقوله تعالى : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } [ الأنعام : 38 ] ، إلى قوله : { عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ الأنعام : 39 ] ، الإشارة فيهما أن في قوله تعالى : وما من دابة في الأرض يشير إلى ما يدب في أرض البشرية ، ويتحرك كالسمع والبصر واللسان والأعضاء كلها والنفس وصفاتها وطائر يطير بجناحيه الشريعة والطريقة إلا أمم أمثالكم في السؤال عن أفعالهم وأحوالهم يدل على قوله تعالى : { إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ الإسراء : 36 ] ، { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ } [ الأنعام : 38 ] ؛ أي : تركنا في القرآن { مِن شَيْءٍ } [ الأنعام : 38 ] ، يحتاج به الإنسان ظاهره وباطنه ذاته وصفاته في السير إلى الله والوصول إليه من المأمورات والمنهيات والندب والاستحباب وجميع يقربه إليه ، ويباعدون عنه إلا بيناه { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } [ الأنعام : 38 ] ، أما المقبلون المقبولون فهاهنا بالسر وجذبات العناية يرجعون إلى ربهم ، وأما المدبرون المردودون فبالحشر يحشرون إلى ربهم السلاسل والأغلال يسبحون في النار على وجههم نار القطيعة والرد بالبعد ؛ لأن من شأنهم التكذيب بما نزلنا من أسباب الوصول كما قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } [ الأنعام : 39 ] ، بدلائلنا التي هي توصلهم إلينا { صُمٌّ } [ الأنعام : 39 ] ؛ إذ أن قلوبهم لا يسمعون بها دعوة الحق { وَبُكْمٌ } [ الأنعام : 39 ] ، ألسنة قلوبهم لا يستجيبون دعوة الحق ؛ لأنهم لا يسمعونها وإنما يستجيب الذين يسمعون ومن خاصية الأصم أن يكون أبكم وذلك لأنهم { فِي ٱلظُّلُمَاتِ } [ الأنعام : 39 ] ، هي ظلمات صفات البشرية والأخلاق الذميمة التي عند غلباتها على القلب يميت القلب من صفاته الروحاني والأخلاق الحميدة والمعنى في قوله تعالى : { صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي ٱلظُّلُمَاتِ } من موت القلب ، كقوله تعالى : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ } [ الأنعام : 122 ] ، كمن مثله في الظلمات البشرية ، وما أحييناه بنور المعرفة { مَن يَشَإِ ٱللَّهُ } [ الأنعام : 39 ] ، إضلاله { يُضْلِلْهُ } [ الأنعام : 39 ] ، عن طلب الحق بموت القلب { وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ الأنعام : 39 ] ، في طلب الحق ويحيي قلبه بنور المعرفة . ثم أخبر أنه المولى في كشف البلوى بقوله تعالى : { قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ } [ الأنعام : 40 ] ، إلى قوله : { مَا تُشْرِكُونَ } [ الأنعام : 41 ] ، الإشارة فيهما أن الله تعالى خص الإنسان بكرامة من بين سائر المخلوقات ، وهي أنه تعالى بسط أرض البشرية على وجه بحر الروحانية ويتصرف { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي } [ الحجر : 29 ] فتح باباً من جناب القدس إلى روحه ، ومن روحه إلى البشرية فمن بقي له البابان مفتوحين يرسل الله تعالى نور رحمته إليه فيهما كقوله تعالى : { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ فاطر : 2 ] ، فالعبد يكون قلبه نوراً بذلك النور ، ويكون في جميع أحواله في السراء والضراء إلى الله تعالى ، ومن يشهد له باب جناب القدس يحرم من نور الرحمة ، ويبقى في ظلمة البشرية فيكون رجوعه في السراء إلى المخلوقات وينسى الخالق ، وأما في الضراء عند الاضطرار ، فلا بد يكون رجوعه إلى الحق تعالى ، وينسى غيره لأن في روحانيته مركوزاً رجوعه إلى ربه كقوله تعالى : { إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } [ العلق : 8 ] ، فقال تعالى : قل يا محمد لهؤلاء المنسدة أبوابهم إلى جناب القدس ولا يرجعون إليه في السراء { أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ } يعني : في الضراء { أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ } [ الأنعام : 40 ] ؛ يعني : لكشف الضر عند الاضطرار { إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } [ الأنعام : 40 ] ، في الجواب { بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ } [ الأنعام : 41 ] ؛ لأن في روحانيتكم مركوزا مفرقة خصوصيته أمن يجيب المضطر إذا دعاه فيكشف { مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ } [ الأنعام : 41 ] ، في الأزل { وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ } [ الأنعام : 41 ] فيخلصكم من حبس الاثنينية التي هي منشأ الشرك ويوصلكم إلى الوحدانية أن قدر في الأزل حتى تنسوا وتتركوا الإشراك . ثم أخبر عن البأساء والضراء بقوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ } [ الأنعام : 42 ] ، إلى رب العالمين والإشارة فيهما أن أرسلنا لهم نعمة القيامة والكفاف من الرزق والرفاهية في العيش تشغلوا لها عنا وغفلوا عن الرجوع إلينا ، فأمهلنا إليهم رسلنا بالبراهين القاطعة والحجج الساطعة والدلائل الواضحة ؛ فدعوا بها إلينا فلم يهتدوا بها { فَأَخَذْنَٰهُمْ بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } [ الأنعام : 42 ] ، منها يمتحنون إلينا ويرجعون عما كانوا عليه .