Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 33-37)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن جحود أهل الوجود بقوله تعالى : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ } [ الأنعام : 33 ] ، الآيتين والإشارة فيهما أن من ضيق نطاق البشرية أثر في بشرية حبيب الله صلى الله عليه وسلم مقالة الجهال والضلال حتى بمقالتهم ، وتأسف على ضلالتهم فواساه الله تسلية له وقال : قد نعلم أنه ليحزنك الذين يقولون بجهالتهم وينسبونك إلى الكذب عن ضلالتهم { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ } [ الأنعام : 33 ] ، على الحقيقة ؛ لأنهم يعرفونك بالصدق { وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [ الأنعام : 33 ] ، ولكن الكذب والتكذيب في الجحود والعناد من شأن الظالمين ؛ لأن الظالم من يضع الشيء في غير موضعه فيضعون التكذيب والجحد في موضع التصديق والإقرار ، فلا تحزن على مقالهم فإنا نعلم أن من أصابك لم يصبك إلا لأجلنا ، وإن لك غير ضائعٍ هذا عندنا وحالك فينا كما قيل شعر : @ أشاعوا لنا في الحيِّ أشنع قصةٍ وكانوا لنا سِلْما فصاروا لنا حَربا @@ وإنك لست منفرداً في مقامات المحنة من بين أهل المحبة { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ } [ الأنعام : 34 ] ، فإن الصبر على المكاره من شأن المرسلين { حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا } [ الأنعام : 34 ] ، ظاهراً وباطناً فإنا الظاهر فعمر رسلنا بهلاك القوم أو بإجابة الدعوة ، وإن في الباطن فتنصرهم بالتخلق بأخلاقنا فأما الصبر خلق من أخلاقنا وينافهم بالصبر مرتبة أولوا العزم كما قال تعالى : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } [ الأحقاف : 35 ] ، { وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ } [ الأنعام : 34 ] ، وهي القدرات التي قدرها ودبرها في الأزل إلى الأبد بكلمة { كُنْ } [ البقرة : 117 ] ، فقدر للمقبولين الرسالة والنبوة والولاية والمحبة والصبر عليها ونعمة الطاعة والعبودية والشكر لها { وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الأنعام : 34 ] ؛ أي فيما صبروا على المحق والشكر والنعم وقدر للمردود بين الغفلة والجهالة والضلالة وكفران النعمة والجزع فيما أصابهم من المكاره . ثم أخبر عن إعراض أهل الاعتراض بقوله تعالى : { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ } [ الأنعام : 35 ] ، تربية وتأديب للنبي صلى الله عليه وسلم من الله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم : " أدبني ربي فأحسن تأديبي " ؛ لئلا يبالغ في الشفقة على غير أهلها ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كما خوطب بقوله تعالى : { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ } [ آل عمران : 159 ] ، بالغ في اللين والشفقة وحرص على إيمان القوم وكبر عليه إعراضهم حتى قيل وأغلظ عليهم وقيل { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [ الكهف : 6 ] ، وقيل : { وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [ يوسف : 103 ] ، وقيل : { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ } ، ثم قال تعالى : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } [ الأنعام : 35 ] ؛ يعني : في عالم الأرواح عند رشاش النور على الأرواح لجمعهم في قابليته النور مع القابلين الذين أصابهم النور ، وقد اهتدوا به { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ } [ الأنعام : 35 ] ، الذين لا يعلمون الحكمة فيما جعلنا بعضهم قابلي نور الهداية والإيمان ، وبعضهم غير قابلين إظهاراً للطف والقهر ، وفي هذا إثبات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عالماً بهذه الحكمة ، وفيه إشارة أخرى إلى أن هذا الخطاب أزلي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم في الأزل { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ } في الدنيا فما كان منهم ، ولو لم يخاطبه به لكان من الجاهلين ، فإن كل أمر خاطب له النبي صلى الله عليه وسلم هو أمر التكوين ، وكذلك النهي هو نهي الامتناع عن الكينونة . ثم وصف له المستعدين بقول الهداية فقال تعالى : { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ } [ الأنعام : 36 ] ؛ يعني : الذين يسمعون بالله ، وهم الذين أحياهم الله تعالى بنور منَّه كقوله تعالى وتبارك : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ } [ الأنعام : 122 ] ؛ يعني : يسمع بذلك النور ويبصر به كما قال تعالى : " فبي يسمع وبي يبصر " { وَٱلْمَوْتَىٰ } [ الأنعام : 36 ] ، أراد بالموتى من كان ميتاً ولم يحييه الله فلا يسمع قوله : { يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ } [ الأنعام : 36 ] ؛ يعني : الله قادر على أن يبعثهم ويحييهم ويسمعوا لا أنت يا محمد كقوله تعالى : { إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } [ النمل : 80 ] ، وقال تعالى : { وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي ٱلْقُبُورِ } [ فاطر : 22 ] ، { ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } [ الأنعام : 36 ] ؛ يعني : من يبعثهم يحييهم الله من قبور نفوسهم { يُرْجَعُونَ } إليه بجذبات العناية ونور الهداية { وَقَالُواْ } [ الأنعام : 37 ] ، أهل الأهواء لأهل الولاء { لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ } [ الأنعام : 37 ] ، طالما يطالبونهم بإراءة الآيات ، وهو من مكائد النفس وغلبة الهوى والتعلل بالأشياء الفاسدة وكم من آية قد رأوها وقد أعرضوا عنها { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلٍ آيَةً } [ الأنعام : 37 ] ، في كل ساعة ولحظة { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ } [ الأنعام : 37 ] ، بدون الآية { لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأنعام : 37 ] ، إنها من آيات الله لأن آيات الله لا ترى إلا بنور الله تعالى ، فمن لم يكن له نور الله لينظر به فلم ير الآيات إلا السحر والكذب .