Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 94-94)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن مجيئهم وقال تعالى : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ } [ الأنعام : 94 ] ، الإشارة فيها أن المجيء إلى الله تعالى يكون بالتجريد ، ثم بالتفريد ثم بالتوحيد ، فالتجريد : هو التجرد عن الدنيا وما يتعلق بها ، والتفريد : هو التفرد عن الدنيا والآخرة رجوعاً إلى الله تعالى خالياً عن التعلق بهما كما كان في بدء الخلقة روحاً مجرداً عن تعلقات الكونين كقوله تعالى : { وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } [ الأنعام : 94 ] ؛ يعني : أول خلقة الروح قبل تعلقه بالقالب ، فإنه خلقه ثانياً ، كما قال تعالى : { خَلْقاً آخَرَ } [ المؤمنون : 14 ] ، وقال تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } [ الأعراف : 11 ] ، فللعبد في السير إلى الله تعالى كسب وسعي بالتجريد والتفريد عن الدنيا والآخرة ، كما قال تعالى : { وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ } [ الأنعام : 94 ] ، يعني : عن تعلق الكونين ، { وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ } [ الأنعام : 94 ] ، يعني : الأعمال والأحوال التي ظننتم أنها توصلكم إلى الله ، { لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } [ الأنعام : 94 ] ، وبينها عند انتهاء سيركم . { وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } [ الأنعام : 94 ] ، إنه يوصلكم إلى الله تعالى ، فلما وصل العبد إلى سرادقات العزة انتهى سيره كما انتهى سير جبريل عليه السلام ليلة المعراج عند سدرة المنتهى - وهي منتهى سير السائرين من الملك والأنس - والتوحيد هو التوحد ، لفيض الوحدانية عن التجلي بالصفات الوحدانية ؛ ليوصل العبد بجذبة : { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [ الفجر : 28 ] ، مقام الوحدة ، ولو لم يدركه العناية الأزلية بجذبات الربوبية لانقطع عن السير في الله بالله ، وبقي في السدرة وهو يقول : ما شاء الله له مقام معلوم .