Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 95-100)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن تعريف ذاته بصفاته { إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ } [ الأنعام : 95 ] ، إلى قوله : { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [ الأنعام : 97 ] ، الإشارة فيها : إن الله هو فالق حبة الذرة التي أخذ منها الميثاق المودعة في حبة القلب عن نبات المحبة وخالق النوى ، ذكر : " لا إله إلا الله " في أرض القلب عن شجرة الإيمان كقوله تعالى : { كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ } [ إبراهيم : 24 ] ، { يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ } [ الأنعام : 95 ] ، يخرج نبات المحبة التي هي من صفات الحي القيوم من الذرة الميتة الإنسانية . { وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ } [ الأنعام : 95 ] ، مخرج الإفعال الطبيعية النفسانية التي هي من صفات الكفار الموتى من المؤمن الحي في الدارين ، وأيضاً مخرج حي الإيمان من نوى الحروف الميتة في كلمة لا إله إلا الله ، ومخرج ميت النفاق من الكلمة الحية وهي لا إله إلا الله ، { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ } [ الأنعام : 95 ] ، أي : هو الذي له القدرة والكمال ، { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } [ الأنعام : 95 ] ، فكيف تصرفون عن الحق من غير خذلانه ، { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ } [ الأنعام : 96 ] ، أي : خالق مصباح أنوار الروح عن ظلمة ليل البشرية ومظهرها ، { وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً } [ الأنعام : 96 ] ، ستراً من ضياء شمس الروح لتسكن فيه النفس الحيوانية والأوصاف البشرية . { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً } [ الأنعام : 96 ] ، يعني : تجلي شمس الروحانية في طلوع قمر القلب بالحسبان ؛ لئلا يفسد القلب والقالب ، أيضاً تجلي شمس الربوبية وطلوع قمر الروحانية لليل البشرية بالحساب ؛ لئلا يفسد أمر الدين والدنيا على العبد بالتفريط والإفراط ، فإن في إفراط طلوع شمس المعارف والشهود آفة " أنا الحق " و " سبحاني " ، وفي تفريطه آفة " أنا ربكم " ، ودعوى الإلوهية واتخاذ الهوى إلهاً . { ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } [ الأنعام : 96 ] أي : قدره عزيز لا يهتدي إليه إلا به عليم بما هو مستحق الاهتداء إليه وبالهداية لديه ، { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ } [ الأنعام : 97 ] ، يعني : نجوم القلوب في سماوات القلوب ، { لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلْبَرِّ } [ الأنعام : 97 ] ، بر البشرية ، { وَٱلْبَحْرِ } [ الأنعام : 97 ] ، بحر الروحانية إلى عالم الربوبية ، { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ } [ الأنعام : 97 ] ، بيننا وأظهرنا شواهد الربوبية ، { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [ الأنعام : 97 ] ، قدرها ، وهم أهل المحبة الذين قال تعالى فيهم : { فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [ المائدة : 54 ] . ثم أخبر عن تعريف ربوبيته بهويته بقوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ } [ الأنعام : 98 ] ، إلى قوله سبحانه وتعالى : { عَمَّا يَصِفُونَ } [ الأنعام : 100 ] ، الإشارة فيها : إن الله تعالى خلق آدم عليه السلام ابتداء وجعل أولاده منه ، وقال تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ } [ الأنعام : 98 ] ، فكذلك خلق روح محمد صلى الله عليه وسلم قبل الأرواح كما قال صلى الله عليه وسلم : " أول ما خلق الله روحي ، ثم خلق الأرواح من روحه " فكان آدم عليه السلام أبو البشر ، ومحمد صلى الله عليه وسلم أبو الأرواح ، إليه يشير قوله تعالى : { أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ } . وقوله تعالى : { فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ } [ الأنعام : 98 ] ، يعني : من الأرواح ما يتعلق بالأجساد واستقر وما هو بعد مستودع في عالم الأرواح ، وأيضاً من الأرواح ما هو مستقر فيه نور الإيمان وهو من أنوار الصفات ، ومستودع فيه جذبات الحق وهي أنوار الذات ، ومنها ما هو مستقر ببقاء الحق باقٍ ، وما هو مستودع في بقاء البقاء عن الفناء فانٍ ، { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ } [ الأنعام : 98 ] ، دلالات الوصول والوصال . { لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } [ الأنعام : 98 ] ، يعني : لقوم لهم نقد القلوب وإشارات الغيوب ، { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً } [ الأنعام : 99 ] ، أي : من سماء العناية ماء العناية ، { فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ } [ الأنعام : 99 ] ، من أنواع المعارف ، { فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً } [ الأنعام : 99 ] ، أي : من المعاني والأسرار ما هو غض طري ، { نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً } [ الأنعام : 99 ] ، من الحقائق يركب بعضها بعضاً ، { وَمِنَ ٱلنَّخْلِ } [ الأنعام : 99 ] ، يشير إلى أصحاب الولايات من طلعها ، { مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ } [ الأنعام : 99 ] ، أي : من ثمرات ولايتهم ما هو متدانٍ للطالبين والمريدين ؛ يعني : منهم من يكون قريباً فينتفع بثمرات ولايته ، ومنهم من يختار العزلة والانقطاع عن التمكين به ، { وَجَنَّٰتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ } [ الأنعام : 99 ] يشير به إلى روضات العلوم المستخرجة من أرض الأعيان بماء الهداية لأرباب الزهد والتقوى ، وإن لم يبلغوا مراتب أهل الولاية وجنات من أعناب الاجتهاد وزيتون الأصول ورمان الفروع ، { مُشْتَبِهاً } أي : متفقاً في الأصول والفروع ، { وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ } ؛ أي : مختلفاً فيهما بين العلماء والأئمة . { ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ } [ الأنعام : 99 ] ، أي : ثمر الولاية { إِذَآ أَثْمَرَ } [ الأنعام : 99 ] ، كيف ينتفع العوام بها ، { وَيَنْعِهِ } [ الأنعام : 99 ] ، أي : وإلى يانعة كيف يتفرد في العالم عنه كماله ، { إِنَّ فِي ذٰلِكُمْ لأَيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ الأنعام : 99 ] ، بأحوالهم ويتبعونهم بأقوالهم ، { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ } [ الأنعام : 100 ] ، يشير به : إلى أنه تعالى كما أخرج بماء اللطف والهداية من أرض القلوب لأربابها أنواع الكمالات التي ذكرنا ، فأخرج بماء القهر والخذلان من أرض النفوس لأصحابها أنواع الضلالات حتى أشركوا . { وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ الأنعام : 100 ] ؛ أي : بالجهل والضلال في تفرده بالجمال والجلال .