Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 62, Ayat: 1-4)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يا من تدعي أنك تسبح لله ما فهمت من قوله تعالى حيث قال : { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } [ الجمعة : 1 ] وإن لم تكن من أهل الفهم من عند نفسك بالكشف فألق سمعك إلي وكن شهيداً حتى أفسره لك بإذن الله تعالى . واعلم أن التسبيح لا يصدق من أحد من رؤية وجوده ، فينبغي للمسبح أن يعرف الله بصفة الملكية والقدوسية والعزيزية والحكيمية ، ومعرفته صفة ملكه لا يصدق ما دام يتلجئ إلى أحد غيره ، ويرى الملك لغيره متصرفاً ، ولا يأتمر بأمره ، ولا ينتهي من نهيه ، ويشتغل بنهر طبعه ، ومعرفة صفة قدسه لا يحصل إلا بعد علمه بأن كل ما يخطر بباله وحسه وذكره ، فالله خالق تلك الخواطر وكل ما رأى من صور صفاته في الغيب والشهادة يتيقن بأن الله مصورها ، ومعرفته صفة عزيزية منوطة بأنه يعرف أنه غالب على أمره ، خلق الشيطان لعزته ، وخلق النفس قرينة لغيرته على أن يعرفه غيره ، ومعرفته حكيمية متعلقة بمعرفته النقطة المتقنة الواهية صور الأشياء بعد ظهور [ الصفات ] الثلاثة : العلمية والإدارية والقدرية ؛ ليعلم حقيقة ظهور القالب الإنساني على شكل قامة الألف ، ويعلم قواها السوادية ، وقواها البيانية ، وكيفية تداخل الحروف بعضها في البعض ، وأخذ النقطات البيانية حظوظها من النقطات السوادية ، وأخذ النقطات السوادية حقوقها من النقطات البياضية ؛ ليظهر عليه حكمة صدور هذا الفعل من ذات سبب صفاته الملكية والقدسية والعزيزية والحكيمية ، وإن الملك اسم للسر الذي أودعه الله في النقطة العلمية ، والقدوس اسم للذي أودعه الله في النقطة الإرادية ، والعزيز اسم للسر الذي أودعه الله في النقطة القدرية ، ويطلع على ينبوع الحياة في النقطة العلمية ، وعلى نهر السمع في النقطة الإرادية ، وعلى بحر البصر في النقطة القدرية ، وعلى مد الكلام وجوزه في النقطة المتقنة الحكمية ليجتني من شجرة روحانيته المغروسة في أرض بشريته إثمار الكلمات الطيبات في بستان بلدته الطيبة ، ويضعها على طبق اللطائف ويتحف بها على يدي اللطيفة الأنانية إلى حضرة ربه الغيور ، والمبالغة في هذا التقرير في هذه الآية فرعت باب مطلع القرآن ، فعطفت عنان البيان عنه { هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ } [ الجمعة : 2 ] يعني : بعث اللطائف المرسلة إلى كل الأمم منهم ، وبعث اللطيفة الخفية إلى جميع الحقوق المودعة في القوى السفلية والعلوية ، وهي أمة أمية ؛ لأنها وهبية لا كسبية { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ } [ الجمعة : 2 ] يعني : يقرأ عليهم آيات الحق في أنفسهم { وَيُزَكِّيهِمْ } [ الجمعة : 2 ] من غبار الأخلاق الرذيلة التي علقت بأذيال القوى الحقوقية في أرض البشرية من تراب الطبيعة { وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ } [ الجمعة : 2 ] بالوارد الوهبي الخفي لا من العلم الكسبي الخلقي العسكري { وَٱلْحِكْمَةَ } [ الجمعة : 2 ] بالنور الحكمي المخصوص بالخفي ، والمراد من الكتاب : الأحكام التي تتعلق بملك السالك ، وبالحكمة الأحكام التي بملكوت السالك يعني : تزكي بالكتاب قوى سفليته ، وبالحكمة تزكي علويته { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ الجمعة : 2 ] بعبادتهم أوثان الهوى ، ومتابعتهم القوى الجاهلية القالبية ، والظالمة النفسية { وَآخَرِينَ مِنْهُمْ } [ الجمعة : 3 ] يعني : يعلمهم ويعلم آخرين منهم من القوى التي تحدث من [ . … ] بعد المُخْلِلات { لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ } [ الجمعة : 3 ] يعني : القوى الحادثة للقوى التابعة الزكية العارفة بالكتاب والحكمة لم يدركوهم ، ولكنهم يحدثونهم بعدهم { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ الجمعة : 3 ] بقدرته أرسل اللطيفة الخفية إلى الأميين من القوى الحقوقية الأمية الأصلية ؛ ليعلمهم الكتاب والحكمة بعد أن غابوا عن الحضرة من وقت التخمير ، وصاروا ضالين في أودية البشرية ، ويبدأوا الشكوك والظنون مشتغلين بعمارة وكر قالبهم وتربية بيضتهم غافلين عن ذكر الله بالحكمة البالغة ؛ ليتم الوكر وتنتج البيضة الفرخ ، ولولا غفلتهم عن الذكر ما اشتغلوا بعمارة الوكر وتربية البيضة ، والمراد من إيجاد الذكر والأنثى والعلو والسفل ، وعمارة الوكر وتربية البيضة هو : الفرخ الذي يحصل فيه ؛ فيطير في سواء المحبة ، وبأخذ طيور المعرفة ليفرح السلطان في طيرانه ، وعلمه بكيفية الأخذ ورجوعه إلى يد السلطان { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } [ الجمعة : 4 ] يعني : من ذلك العلم والطيران والرجوع من فضل الله ووجهه لا من كسب أحد وتعلمه يؤتيه من يشاءه { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } [ الجمعة : 4 ] ؛ ليعطيهم الاستعداد ويهب لهم العلم اللدني ، ويرسل إليهم الوارد القدسي ، ويدعوهم بلطيفة إليه ، ثم يجزيهم الجزاء الأوفى ، ويثني عليهم ويشكر سعيهم ويجعلهم المقربين .