Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 62, Ayat: 5-7)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا } [ الجمعة : 5 ] مثل القوى النفسية المؤمنة باللطيفة السرية ، وقبولهم الوارد السري من حيث الظاهر ، ولم يحملوا حقيقة الوارد من حيث المعنى ، وترك العمل بما في ضمن الوارد { كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً } [ الجمعة : 5 ] يعني : يحملون الأسفار من حيث الظاهر ، وهم جاهلون في باطنه غافلون عن حقيقة وروده ، فيجب التعزية لنفسهم على حفظ كلمات القرآن المقتصرين على حفظه وقراءته والتاركين لفهمه ، والعمل به ، وعلى السالك الذي يرد عليه الوارد ، وهو يتكلم بالوارد ولا يعمل به ، وعلى اللطيفة المبلغة التي تأمر القوى عن الاجتناب عن الهوى ، ويلقي الشيطان في أمنيته أن يتكلم بشرب نفسه ، وهو طبعه ويظن أن نفسه مطمئنة لا يضرها الاشتغال بصحبة الخلق ، والتوسع في المعيشة ، ولا يذكر حال أشرف الخلق وأحبهم إلى الله محمد صلى الله عليه وسلم أنه صلى حتى تورمت قدماه بعد أن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وما شبع في مدة حياته من خبز الشعير إلا مرتين ، وبعده حال سيد الأولين علي بن أبي طالب رضي الله عنه على مدين ونصف من السويق الشعير ، الغير متحول في رمضان الذي استشهد فيه حتى وزنوا ما في جرابه بعده ، وهو رضي الله عنه استشهد صبيحة يوم الثالث والعشرين من رمضان كان منا ، ونصف من قالوا يجب على السالك ما دامه في قيد الحياة الدنيوية ؛ الاحتراز عن الطعام والكلام والمنام { بِئْسَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } [ الجمعة : 5 ] من القوى المكذبة القالبية والنفسية { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [ الجمعة : 5 ] الذين ظلموا أنفسهم بكسبهم السيئات ، وتكذيبهم اللطائف المنذرة { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ الجمعة : 6 ] في هذه الدعوى يعني : أيتها القوى المؤمنة باللطيفة السرية من حيث الظاهر ، وهي القوى التي إذا اشتغل صاحبها بالسلوك ، وشاهد أنوار السر والمعارف السرية آمنت بالآيات السرية ، واطمأنت بأنوارها ، وظنت أن ليس وراء العبادات قربة ، ورجعت إلى عالمها واشتغلت بشهواتها التي تركتها وقت سلوكها وقالت : إني وصلت فيما يضرني الاشتغال بشهوات النفس يعتريها العجب والغرور من المعارف السرية والأنوار التي تشاهدها حتى يستدرجها الحق من حيث لا يعلم ، ويجعل تلك المعارف والأنوار { كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّـٰهُ حِسَابَهُ } [ النور : 39 ] وناقشها في المحاسبة وليس لأحد من أهل الآخرة عذاب أشد من عذابها نعوذ بالله منه ، ونسأل الله العافية ، وحسن المنقلب والمآب والثبات على طاعة الله ، وعبوديته على وفق متابعة نبيه محمد سيد الأحباب صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه . وإذا أودعتها الخفية إلى الترقي إلى عالم الخفي والحق أبت دعوتها خوضاً على تركها الشهوات بعد أن قاستها في السلوك السري ورجوعها إلى مألوفات طبعها ، وقالت : أنا وصلت إلى حضرة الله ولينا وهو حسبنا لا يحتاج إلى دليل غيره في طريقنا ، فيقول الله تعالى في كتابه لحبيبه : قل لهم { فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ الجمعة : 6 ] في محبتنا عاشقين جمالنا يعني : اشتغلوا بالمجاهدة ليحصل لكم الموت الاختياري { وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ } [ الجمعة : 7 ] يعني : لا يشتغلون بالمجاهدة ولا يجتهدون في تضعيف النفس ، ولا يشتهون أن يكشف غطاؤهم بما كسبت أيديهم من الاشتغال بملاذهم العاجلة وشهواتهم الهودية { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } [ الجمعة : 7 ] الذين ظلموا على قواهم بعد اشتغالهم بذكر الله ، وتحصيل الاستعداد السري بالرجوع إلى مألوفات طبعهم ، وتركهم السلوك والذكر .