Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 65, Ayat: 1-2)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يا أيها المطلق أما تعلم أنك مقيد بالأمر والنهي ، غير مطلق ما دمت في سجن القالب وقيد الطبيعة محبوساً ؛ فإذا أنت تشتهي أن تطلق القوة القالبية - [ النفورة ] عن قبول الحق ، الخائنة في أمانة الأسرار - فاقتف أثر نبيك عليه الصلاة والسلام ، وافهم ما قلنا له في الكلام ، وبيّنا له فيه الحلال والحرام حيث قلنا : { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ الطلاق : 1 ] ، يعني : لطهرهن الذي تحصينه من عدتهن ؛ فينبغي للسالك أن لا يطلق القوة القالبية بتة البتة ، ويطلقها على وجه السنة في الطهر من علة إبائها الحق عند غلبة دم محبة الدنيا عليها ، أو حمل خاطر الهوى ، وهاتان الحالتان حيضها ونفاسها ، والحكمة في تأخير الطلاق إلى وضع الحمل ووقت الطهر : رحمة الحق ورأفة على الخلق ؛ فربما ترجع القوة العاصية القابلة بعد خلاصها من دم محبة الدنيا ، ووضع حمل خاطر الهوى ، كما يقول الله تعالى : { لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } [ الطلاق : 1 ] ، وينبغي للمسلك أن لا يطلَّق مريداً دخل في حبالة ولايته لترك أدب من الآداب - عند اتساع مجاري شيطانه ، لاشتغاله بالاستراحة على خلاف عادته ، وتصرف الهوى في باطنه - حتى يطهر باطنه عن هاتين العلتين ؛ فربما يتوب إلى الله ، ويرجع عن فعله ، ويستغفر بين يدي شيخه ، ويجعل الله قبوله في قلب مسلكه أكثر مما كان قبل ذلك ، { وَأَحْصُواْ ٱلْعِدَّةَ } [ الطلاق : 1 ] ، يعني : عدد أقرائها ليعلم بقاء زمان الرجعة ، ومراجعة ومراعاة أمر النفقة والسكنى إذا أراد أن يطلقها ثلاثاً ، وإحصاء السالك عدد أقراء القوة القابلة كل يوم خمس مرات في أوقات الصلاة ، ومراعاة خاطرها بالخواطر الكليّة المبشرة لها ، ومراعاة السكنى أن يسكنها في بيت الرخصة ، ولا يشدد عليها بأمر العزيمة ، { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ } [ الطلاق : 1 ] عن التشديد عليها ، وإخراجها عن بيت الرخصة كما قال تعالى : { لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ } [ الطلاق : 1 ] ؛ يعني : ينبغي للقوى الفاعلة أن لا يخرجوهن من بيوتهن أي : القوى القابلة ، ولا القوى القابلة يخرجن من بيوت زوجهن ما لم ينقص ، وإن خافت من خراب البدن وخراب بيته يكون من شدة غيرة القوى الفاعلة ، وغلبة حميتها في شرح السلوك ، يجوز للقوة القابلة أن تخرج من بيت الزوج إلى بيت أمها وهي : بيت القالب وبيت الشبهة ، وإن دخلت بيت الحرام وهو : الهوى يجب عليها الرجم { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } [ الطلاق : 1 ] ، يعني : لا يجوز للقوة الفاعلة إخراج القوة القابلة عن بيتها إلا أن تأتي القوة القابلة بفاحشة وهي الكفر ، { مُّبَيِّنَةٍ } بلسانها غير أن تكن في صدورها { وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } [ الطلاق : 1 ] ، حدود بيّنه على الخلق { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } [ الطلاق : 1 ] ، فالواجب عليه اتباع الأمر والنهي ، والتباعد عن الابتداع في العبادة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ " ، و " كل عمل لا يعمل بسنتي فهو بدعة " ، { لاَ تَدْرِى لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً } [ الطلاق : 1 ] ، يعني : إن كنت لا تخرجها يمكن أن يحدث الله في قلبها توبة وإنابة وندامة على فعلها ، وترجع عن فعلها وتستغفر ، ويجعل الله في قلبك شفقة عليها جديدة محدثة . { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } [ الطلاق : 2 ] ، يعني : قربن من انقضاء عدتهن ؛ { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } [ الطلاق : 2 ] ، يعني : راجعوهن باللطف ، وعدوهن من الله رحمة ومغفرة ، وقوّوا خاطرهن بالخواطر اللطيفة والواقعات القلبية والسرية والرحمية والخفية والتجليات الجمالية ، { أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } [ الطلاق : 2 ] ، أي : اتركوهن بمعروف يعني : لا تأخذ القوة الفاعلة المعارف الروحانية منها ؛ فربما يدخل عليها السرية والخفية ويجعل بعد ذلك على الروح الدخول فيها ، وألف بينهما المؤلف الحقيقي ، { وَأَشْهِدُواْ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ } [ الطلاق : 2 ] ، يعني : أشهدوا على الرجعة أو الفراق النفس اللوامة والملهمة ، والحكمة في هذا الإشهاد أن اللوامة ربما تلومها فيرجعان ، والملهمة ربما تلهمها بالخير [ فتعان ] { وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَادَةَ لِلَّهِ } [ الطلاق : 2 ] ، يعني : ينبغي أن الشهود يقيموا شهادتهم بالصدق بالله عند قاضي العقل ، { ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [ الطلاق : 2 ] ، يعني : بيّنا هذه الحدود ليتعظ بها القوة المؤمنة المصدقة باليوم الآخر ، لئلا يستعجل في الأمور ، ولا يظلم على القوى القابلة الضعيفة ، وحمل المجاهدة عليها فوق طاقتها ، وتتعظ بها القوة المؤمنة القابلة ، ولا يأذن للهوى أن يدخل عليها ، ولا يأبى أمر القوة الفاعلة بالنشوز ، { وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } [ الطلاق : 2 ] ، يعني : من يخش الله من القوة الفاعلة والقابلة ، ولا يتعد حدود الله ، ويجتنب عن الفواحش ، يجعل له مخرجاً من خواطر الشيطان ، ومخرجاً من ضيق الهوى .