Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 68, Ayat: 30-42)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ } [ القلم : 30 ] ؛ يعني : القوى اللوامة بعد أن ترى آيات الرب نفسها ، وهذا ينفع في أثناء السلوك إذا طلع السالك على ظلمة الغفلة عن ذكر ربه وتركه الاقتداء بمقتداه ، فيتوب إلى الله ثم يستأنف العمل على وفق الاقتداء ، ويترك الغفلة ويشتغل بالذكر ؛ ليزرع بعد ذلك على وفق أمر الدهقان الخبير ، ويحصد - إن شاء الله تعالى - على وفق مراده عن قريب ذاته ، لا ينفع بأن يفرغ عنه الآيات والأدوات ، والبذر والأرض ، ولا يزيد له من حسرته إلا العذاب الأليم المقيم ، اللهم نبهنا من نومة الغافلين واجعلنا من الذاكرين . { قَالُواْ يٰوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ } [ القلم : 31 ] في منعنا المسكين ، { عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ } [ القلم : 32 ] ، فإذا تابوا إلى الله { يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [ الفرقان : 70 ] ، { كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ } [ القلم : 33 ] ؛ يعني : هكذا يكون العذاب ، فينبغي أن يخالف السالك من مثل هذه الواقعة الهائلة ويرجع إلى الله رغبة ورهبة ، { وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } [ القلم : 33 ] ؛ لأن الرجوع في الآخرة إلى عالم الكسب غير ممكن ، وفي هذه الواقعة التي رأى السالك إذا انتبه ويرجع إلى الله منيباً تائباً يقبل الله توبته ويبدل الله سيئاته حسنات ، فإن لم يلتفت إلى هذه الواقعة الهائلة ، ويظن أنها من قبيل الخيالات أو غلبة خلط السوداء يعذب في الآخرة بمثل هذه الواقعة الهائلة ، وأشد منها دائماً أبداً بعد نزع الآلات والأدوات عنه . { إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } [ القلم : 34 ] ؛ يعني : الذين اتقوا ربهم متاع الحياة الدنيا ، واجتنبوا عنها لهم عند ربهم جنات النعيم من كل ما اشتهت أنفسهم ، { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } [ القلم : 35 - 36 ] ؛ يعني : نجعل القوى المؤمنة كالمجرمة ، لو تظنون أيتها القوة المجرمة هذا منا ساء ما تظنون وجود ما تحكمون ، وظنكم بالدهر مخطئ ؛ لأنا خلقناكم لتكونوا باقين أبد الآباد مظاهر اللطف والقهر ، فكل من كان مؤمناً مسلماً فهو مظهر اللطف يتنعم أبد الآباد ، ومن كان مشركاً مجرماً فهو مظهر القهر يتألم أبد الآباد ، { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ } [ القلم : 37 ] ؛ يعني : هذا الظن منكم بأن دين الدهر عن حق أم من عند أنفسكم ، أم من كتاب جاء من الحق أنتم درستم فيه ، { إِنَّ لَكُمْ } [ القلم : 38 ] بعد الجزم { فِيهِ } [ القلم : 38 ] ، في ذلك الكتاب { لَمَا تَخَيَّرُونَ } [ القلم : 38 ] لما تختارون وتشتهون ، { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } [ القلم : 39 ] ؛ يعني : عاهدناكم وأعطيناكم مواثيق إلى يوم القيامة ، { إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } [ القلم : 39 ] ؛ أي : يفعل بكم كما تشاءون وتختارون لأنفسكم بعد افتراق الجزم في دار الكسب . هذا خطاب مع السالك الذي يتضرع ويبتهل بعد هذه الواقعة ويتمنى أن يكون له بعد هذه الواقعة أحوال حسنة ، ولا يفطن بأن نكبته من غفلته وترك الاقتداء لمقتداه ، فبقول الله تعالى لمقتداه { سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ } [ القلم : 40 ] ؛ يعني : أيتها اللطيفة الهادية المهدية سلي عنهم من الكفيل لكم بأن الله يعطي لكم الأحوال السنية ، { أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ } [ القلم : 41 ] ؛ يعني : لهم أرباب غير الله ، إن غضب ربكم ، أربابكم يشفعون لكم عنده ! { فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } [ القلم : 41 ] ؛ يعني : يأتوا بشفعائكم منهم ، { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ } [ القلم : 42 ] ؛ يعني : يكشف الغطاء عن شدة ، { وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } [ القلم : 42 ] السجود ؛ لأنهم استكبروا في دار الكسب عن التذلل للرب ، والانقياد للطيفة المبلغة والاقتداء بمقتداهم بقوا مطيعين ظهور عن غاية استكبارهم وإبائهم الحق .