Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 69, Ayat: 1-10)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أيها الغافل عن القيامة السرية اعلم أن قيامته حاقة مستحاقة محاقة فيما يقول في كتابه الكريم { ٱلْحَاقَّةُ * مَا ٱلْحَآقَّةُ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحَاقَّةُ } [ الحاقة : 1 - 3 ] ؛ يعني : حقت القيامة الواقعة في السر الذي فيه خوارق الأمور ، وحقائقها أن يعتبر بها ؛ يعني : مستحاقة الوجود عن الأباطيل ، ومحاقة الوجود الحادث بحيث لا يبقى إلا الوجود الحقيقي في الوجود المطلع ، وفي أثر هذه القيامة قال أستاذ الطريقة الجنيد البغدادي قُدِّس سرّه : ليس في الوجود إلا الله الحاقة الأولى هي المستحاقة ، والثاني نية هي المحاقة ، والثالثة هي الحاقة التي تحق حقوقها وتظهر الحقائق المودعة في جميع القوى والمفردات واللطائف ، ولم يطلع أحد عليها إلا بعد الوصول إليها ، ومطالعتها عياناً ، { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِٱلْقَارِعَةِ } [ الحاقة : 4 ] ؛ يعني : كذبت قوى اللطيفة القارعة ؛ يعني : كذبت قوى اللطيفة القالبية والنفسية العادية المتعدية المكذبة لطائفها المنذرة لها بالقارعة ، وهو قيامة القلب حتى نزل لهم العذاب الذي هو علامة القارعة في الدنيا . { فَأَمَّا ثَمُودُ } [ الحاقة : 5 ] ؛ يعني : قومه وقوى اللطيفة القالبية ، { فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } [ الحاقة : 5 ] ؛ أي : بطغيانهم هلكوا حين سلط الله عليهم عين طاغيتهم من كدورات تراب قالبهم ، والأخلاق نشأت من خواص التراب مثل الكبارة والجهل والمذلة وأمثالها { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } [ الحاقة : 6 ] ؛ يعني : سلط الله عليهم حين عتوهم الحاصل من ريح قالبهم المكدرة بظلمات الحظوظ الهودية ، والأخلاق التي ظهرت منها مثل الإباء عن الحق والاستنكاف عن قبول الحق ومتابعة الهوى . { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } [ الحاقة : 7 ] ؛ يعني : سلط الريح عليهم سبع ليال حاصلة من ظلمات ما افترقت لسبعة أغصانهم مما زين لهم الشهوات من النساء والبنين ، والذهب والفضة ، والخيل المسومة والأنعام والحرث اللاتي هن متاع الحياة الدنيا ، وبها يقدر الشيطان أن يزين الدنيا في عيون ابن آدم ، وفي وجودك أشار إلى النساء بالقوة القابلة ، والبنين بالقوة المتولدة والخواطر التي نتجت من القوى القابلة ، والذهب والفضة بالاستعدادات المعدنية القالبية ، والخيل المسومة والأنعام والحرث بالاستعدادات الحيوانية والنباتية والنفسية ، وثمانية أيام ظاهرة من ثمان صفات التي وهبها الله تعالى لبني آدم ليطيع بها الحق ويستعملها في معرفة الحق ؛ وهي الحياة ، والسمع ، والبصر ، والكلام ، والعلم ، والإرادة ، والقدرة ، والحكمة ، فاستعمالها في معرفة الحياة وهي الحياة في الباطل والحظوظ ، وبالغ في النكران والكفران فبريح ظنونهم الباطلة العاتية أهلكهم الله في سبع ليال مظلمة حاصلة من استعمال سبعة أغصانهم في طلب الباطل ، وثمانية أيام مكدرة بدخان الهوى من استعمال ثمان صفاتهم من متابعة الهوى ومخالفة المولى ، { حُسُوماً } [ الحاقة : 7 ] ؛ أي : متتابعة ؛ لأنهم بهذه الأعضاء والصفات تتابعوا في معصية الله تعالى وكانوا غافلين عن ذكر الله ، ولا يذكرونه لا كثيراً ولا قليلاً ، { فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [ الحاقة : 7 ] ؛ يعني : في تلك الليالي والأيام ترى وجودهم الحاصل من حظوظ الباطل [ ساقط ] لكل مثل { أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } [ الحاقة : 7 ] ؛ أي : ساقط من شدة الريح مما لا يكون أصله محكماً ؛ يعني : وجودهم وجود إنسان ولأصل هذا شبهت بالنخلة ولكن ما كانت نخلة ، وجودهم أصيلاً عريقاً في أرض الإيمان { ٱجْتُثَّتْ } [ إبراهيم : 26 ] قوة الأرض { مَا لَهَا مِن قَرَارٍ } [ إبراهيم : 26 ] فقلعتها ريح ظنونهم الكاذبة بالحق العاتية للحق عن أصلها خاوية خالية الأجواف عن الحق . { فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ } [ الحاقة : 8 ] ؛ يعني : ترى اليوم من تلك القوى والخواطر أثراً { كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ } [ يونس : 24 ] { وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَٱلْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ } [ الحاقة : 9 ] ؛ يعني : اللطيفة القالبية الغير المستخلصة عن الأباطيل في الوجود الحادث وقواها الخاطئة المؤتفكة ، { فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ } [ الحاقة : 10 ] ؛ أي : عصوا اللطيفة المطهرة المرسلة إليهم ، { فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً } [ الحاقة : 10 ] ؛ أي : زائدة على عذاب من قبلهم ؛ لأن ماء وجودهم طغى الحق ، وحصل لهم من ماء وجودهم محبة الدنيا ، وشرب وجودهم ماء حبة الدنيوية ، بحيث [ كان ] الشبع في وجودهم مجاري الشيطان ، ويدخل في عروقهم لاتساع مجاريهم ، وظهر لهم من ماء وجودهم أخلاق كريهة مثل طول الأمل والأماني الباطلة ، واستسقاء الحرص والكسالة في الطاعة وأمثالها يسلطها الله عليهم .