Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 14-18)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } [ الأعراف : 14 ] فأجابه بما عليه ولم يجيبه بما له ، فأجابه بأن يكون من المنظرين ، { قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } [ الأعراف : 15 ] ؛ ليكون هذا في الإنظار والإمهال وبالأعلمية ما يزيد في شقوته وشدة عذابه وإبعاده ، ولم يجيبه بألاَّ يذيقه ألم الموت ، قال تعالى : { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } [ ص : 81 ] في موضع آخر . ثم أخرج منه ما كان مودعاً في حق قهره من الجهالة والضلالة بالأرض والاعتراض علينا ، أو مكايده مع الحق تعالى حتى قال : { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [ الأعراف : 16 ] ، فلم يكن حالة الإغواء إلى الله منه من نظر التوحيد ورؤية الأمور من الله تعالى ؛ وإنما كان إثباتاً للحجة ومعارضة مع الله في الإغواء كما قال : { لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ ص : 82 ] ، وقال : { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ } ، فلو كان من نظر التوحيد لم يكن اللعين مدَّعياً الإغواء والإضلال ، ولو كان واقعاً عن الصراط المستقيم عن قوله : { صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } حقيقية الذي هو الصراط إلى الله لم يتعد عن الصراط المستقيم بنفسه ولم يقعد الآخرين بل يدعوهم إليه ، ولكن من نتائج القهر يجري الله على بعضهم أفعالاً وأقوالاً تكون هي حجة عليهم . ثم أخبر عن بيان [ جهات عداوتهم ] بقوله : { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } [ الأعراف : 17 ] ، الإشارة فيها : أن الشيطان لا يأتي من جهة من الجهات إلاَّ وللنفس الإنسانية بقية من الصفة [ التي ] تتعلق بتلك الجهة ، واعلم أن للنفس في كل جهة من الجهات حظوظاً مختلفاً بحسب صفاتها ؛ ولذلك فسر كل واحد من المفسرين قوله : { لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } ؛ بمعنى آخر نظرهم على بيان صفة النفس التي هي مدخل الشيطان فقال : { لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } من قِبِل الحسد فأزين لهم الحسد على الأكابر من العلماء والمشايخ في زمانهم ؛ ليطعنوا في أحوالهم وأعمالهم وأقوالهم وتنكرون عليهم فيضلوا ويعلموا الخلق بإغوائهم إظهاراً للخيرية لأنفسهم ، كما كان حال إبليس مع آدم عليه السلام ، { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } ومن خلفهم من قِبَل المعصية ، فآمرهم ؛ ليطعنوا في المتقدمين من الصحابة والتابعين والعلماء والمشايخ الماضيين ويقدحوا فيهم ويبغضوهم ويفتروا عليهم ويرون عليهم ما لا يرون . { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ } [ الأعراف : 17 ] من قِبَل إفساد ذات البيِّن ؛ فأفسد ما بينهم وبين الإخوان في الدين وألقى بينهم العداوة والبغضاء ، { وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } [ الأعراف : 17 ] ، من قِبَل ترك النصيحة مع أهاليهم وأقاربهم وأصدقائهم ؛ فأمرهم بالخيانة معهم وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمكر والخداع مع عامة المسلمين وفي معاملاتهم . وأيضاً : { لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } من قِبَل الرياء والعجب وأفسد عليهم طاعاتهم ، { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } من قِبل الصلف ، فاذكرهم ما صدر منهم من أعمال البر في الأيام السالفة ؛ ليباهوا بها على الإراءة ويتفاخروا بها رياء وسمعة فيحبط أعمالهم ، { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ } من نيل الادعاء فأزين لهم الدعاوي كالأحوال والمقامات من غير المعاني وآمرهم بإظهار حالات في مواجيد لم تكن فيهم ، { وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } من قِبل الافتراء ، فسوَّل لهم المرئيات بالوقائع والكشوف والمقامات الكاذبة . وأيضاً : { مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } من قِبل الاعتراض للمريدين ، فأملي لهم ليعترضوا من [ أنفسهم ] ومرتبتهم ، فأقطع طريق الإرادة والطلب ، وأخرجهم من مواهب ولايتهم وفوائد محبتهم { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } من قِبل التفريق فأخرجهم من صحبة المشايخ بتسويل الحجج و [ الشبهات ] والبيّنات وتحصيل العلوم لأظفر عليهم عند الفرقة ما لم أظفر عليهم في الصحبة ، { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ } من قبل الارتباط ، فحرضهم على سوء الأدب في صحبة المشايخ وترك الحشمة والتعظيم والتوسع في الكلام والمزاح ؛ لإنزالهم عن رتبة القبول { وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } من قِبل المخالفة فأمرهم بترك أوامر المشايخ ونواهيهم لأوردهم به موارد الرد ، وأهلكهم بسطوة غيرة الولاية وردها بعد القبول . وأيضاً : { مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ } أثوّر عليهم أهاليهم وأولادهم ؛ ليمنعوا عن طلب الحق { وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أثور عليهم آباءهم وأمهاتهم ، { وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ } أثور عليهم أحبابهم وأصدقائهم { وَعَن شَمَآئِلِهِمْ } أثور عليهم أعداءهم وحسادهم ؛ ليمنعوه عن الطلب باللطف والعنف ، { وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } [ الأعرف : 17 ] ؛ لنعماتك التي أنعمت بها عليهم من السعادات الدنيوية والأخروية ، فإنهم قبلوا مني تمويهات ووساوس في الإضلال لمِّا كانت موافقة لنفوسهم وملائمة لطباعهم ، فكفروا بنعمك وخالفوا طاعتك فانسلخوا عنها . فلما ادَّعى اللعين هذه الدعوى وأخذ في تحقيق المعنى ، قال الله تعالى : { قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً } [ الأعراف : 18 ] ؛ أي : غاية الذم ونهاية الطرد فإنك عزمت على غاية الذنب ونهاية السر . ثم قال تعالى : { لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ } [ الأعراف : 18 ] ؛ يعني : من الذين تأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم فيقبلوا منك ما أمرتهم ، ويتبعوا من بني آدم من يتبعك في الإضلال والإغواء ومن قبلوا منهم كما قبلوا منك { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } [ الأعراف : 18 ] .