Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 150-153)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ } [ الأعراف : 150 ] الروح من صفات مكالمة الحق ، { إِلَىٰ قَوْمِهِ } [ الأعراف : 150 ] من أوصاف الإنسانية ، { غَضْبَٰنَ } [ الأعراف : 150 ] مما عبدت صفات القلب عجل الدنيا ، { أَسِفاً } [ الأعراف : 150 ] على ما فات لها من عبودية الحق ، { قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي } [ الأعراف : 150 ] بصفات القلب ، { مِن بَعْدِيۤ } [ الأعراف : 150 ] ؛ أي : غيبتي ، { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ } [ الأعراف : 150 ] ؛ أي : استعجلتم بالرجوع إلى الدنيا وزينتها والتعلق بها قبل أوانه من غير أن يأمركم به ربكم ، وفيه إشارة إلى أن أرباب الطلب وأصحاب السلوك لا ينبغي أن يلتفتوا إلى شيء من الدنيا ، ولا يتعلقوا بها في إناء القلب والسلوك ؛ لئلا ينقطعوا عن الحق ، اللهم إلا إذا قطعوا مفاوز النفس والهوى ووصلوا إلى كعبة وصال المولى فيأمرهم المولى أن يرجعوا إلى الدنيا لدعوة الخلق إلى المولى ، وتسليكهم في طريق الدنيا والعقبى ، { وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ } [ الأعراف : 150 ] ؛ يعني : ما لاح الخروج من اللوائح الربانية عند استيلاء الغضب الطبيعي ، { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ } [ الأعراف : 150 ] يعني : القلب فإنه أخ الروح ، { يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } [ الأعراف : 150 ] قهراً وفراً عند استيلاء الطبيعة الروحانية ، { قَالَ ٱبْنَ أُمَّ } [ الأعراف : 150 ] وهما من أب وأم ، أبوهما الأمر وأمهما الخلق ، وإنما نسبه إلى الخلق ؛ لأن في عالم الخلق تواضعاً وتذللاً بالنسبة إلى عالم الأمر ، فافهم جدّاً . { إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي } [ الأعراف : 150 ] ؛ يعني : أن أوصاف البشرية استذلوني بالغلبات عند غيبتك ، { وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي } [ الأعراف : 150 ] وكذلك يكون استيلاء صفات البشرية وغلباتها حلل غيبة الروح وشغله بنوع من الأنواع قهر القلب وهلاكه ، { فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ } [ الأعراف : 150 ] وهم : الشيطان والنفس والهوى ، { وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } [ الأعراف : 150 ] الذين عبدوا عجل الدنيا وهم : صفات القلب ، يشير إلى أن صفات القلب تتغير وتتلون بلون صفات النفس ورعوناتها ؛ ومن هنا يكون شنشنة الشيطان من أرباب الطريقة ورعوناتهم وزلات أقدامهم ، ولكن القلب من حيث هو هو لا يتغير عما جبل عليه من محبة الله وطلبه وإنما يمرض بتغير صفاته ، كما أن النفس لا تتغير من حيث هي هي عما جبلت عليه من حيث الدنيا وطلبها وإنما تغير صفاتها من الأمارية إلى اللوامية والملهمية والرجوع إلى الخالق ، ولو وكلت إلى نفسها طرفة عين لعادة المشومة إلى طبعها وجبلتها { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } [ الفتح : 23 ] . وفي قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ } [ الأعراف : 151 ] الإشارة إلى : السير في الصفات ؛ لأن المغفرة والرحمة من الصفات ، فيشير إلى أن لموسى الروح ، ولأخيه هارون القلب استعداداً لقبول الجذبة الإلهية التي تدخلها في عالم الصفات ، { وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [ الأعراف : 151 ] ؛ لأن غيرك من الراحمين عاجز عن إدخال غيره في صفاته ، وأنت قادر على ذلك لمن تشاء ، يدل عليه قوله تعالى : { يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ } [ الشورى : 8 ] . ثم أخبر عن أهل الغضب بقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ } [ الأعراف : 152 ] الإشارة فيها : أن الذين اتخذوا العجل ؛ أي : اتخذوا عجل الهوى إلهاً يدل عليه قوله تعالى : { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [ الفرقان : 43 ] ، { سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا } [ الأعراف : 152 ] ؛ يعني : عبادة الهوى موجبة لغضب الله تعالى ، دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما عبد في الأرض آله أبغض على الله من الهوى " ، وإن عابد الهوى يكون ذليل شهوات النفس وأسير صفاتها الذميمة الحيوانية والسبعية والشيطانية ما دام يميل إلى الحياة الدنيوية ، { وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ } [ الأعراف : 152 ] ؛ يعني : كذلك نجازي بالغضب والطرد الإبعاد وذلة عبادة الهوى المدَّعين الذين يفترون على الله أنه أعطانا قوة لا تضر بنا عبادة الهوى والرجوع إلى طلب الخلق ، { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ الأعراف : 153 ] ؛ يعني : يعفو عنهم تلك السيئات ، ويرحمهم بنيل القربات والكرامات .