Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 157-159)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن أمة هذا النبي من المؤمن والولي بقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ } الإشارة فيها : أن في قوله تعالى : { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ } إشارة إلى أن في أمته من يكون مستعداً لاتباعه في هذه المقامات الثلاثة وهي : مقام الرسالة والنبوة : التي هي شركة بينه وبين الأنبياء والرسل ، والمقام الأمي : الذي هو مخصوص به صلى الله عليه وسلم من بين الأنبياء - عليهم السلام - ؛ ومعنى الأمي : أنه كان أم الموجودات وأصلها سمي أمياً ، كما سميت مكة أم القرى ؛ لأنها كانت مبدأ القرى وأصلها ، وكما سمى أم الكتاب أما ؛ لأنها مبدأ الكتب وأصلها ، فأما إتباعه في مقام الرسالة فإنه يأخذ منه ما آتاه الرسول وينتهي عما نهاه ، كما قال تعالى : { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } [ الحشر : 7 ] . فإن الرسالة تتعلق بأحكام الظاهر ، والنبوة تتعلق بأحكام الباطن ، فللعوام شركة مع الخواص في الانتفاع من الرسالة ، وللخواص اختصاص بالانتفاع من النبوة ، فمن أدى حقوق أحكام الرسالة في الظاهر يفتح له أحوال النبوة في الباطن ، من مقام الأنبياء تنبئة الحق تعالى بحيث يصير صاحب الإشارات والإلهامات الصادقة والرؤيا الصالحة والهواتف الملكية ، وربما يؤول حاله إلى أن يكون صاحب المكالمة والمشاهدة والمكاشفة ، ولعل ما يصير مأموراً بدعوة الخلق إلى الحق في المتابعة لا بالاستقلال ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " يشير إلى هذا المقام ، وذلك أن المتقدمين من بني إسرائيل في زمن الأنبياء - عليهم السلام - لما وصلوا إلى مقام الأنبياء أعطوا النبوة - والله أعلم - وكانوا مقررين لدين رسولهم ، حاكمين بالكتب المنزلة على رسلهم ، فكذلك هؤلاء القوم كما قال : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } [ الأنبياء : 37 ] . وأما أتباعه في مقام أمته صلى الله عليه وسلم فكذلك مخصوص بأخص الخواص من متابعيه ، وهو أنه صلى الله عليه وسلم رجع بالسير من مقام بشريته إلى مقام روحانيته الأولى ، ثم بجذبات الوحي أنزل في مقام التوحيد ، ثم اختطف بأنوار الهوية عن أنانيته إلى مقام الوحدة كما قال : { أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } [ الكهف : 110 ] كما قال تعالى : { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } [ النجم : 8 - 9 ] ، فقاب قوسين عبارة عن : مقام التوحيد ، أو أدنى : عن مقام الوحدة تفهم - إن شاء الله تعالى - فمن رجع بالسير في متابعته عن مقام البشرية إلى أن بلغ مقام الروحانية ، ثم بجذبات النبوة في مقام التوحيد ، ثم اختطف بأنوار المتابعة عن أنانيته إلى مقام الوحدة ، فقد حظي بمقام أميته صلى الله عليه وسلم . وفي قوله : { ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ } [ الأعراف : 157 ] يشير إلى أنه مكتوباً عندهم وإلاَّ فهو مكتوب عنده { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ } [ القمر : 55 ] ، { يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ } [ الأعراف : 157 ] وهو طلب الحق والميل إليه ، { وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } [ الأعراف : 157 ] وهو طلب ما سواه والانقطاع عنه ، { وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ } [ الأعراف : 157 ] إلى القربات إلى الله تعالى ، وإن الطيب هو الله تعالى ، { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ } [ الأعراف : 157 ] وهي الدنيا وما يباعدهم عن الله ، { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } [ الأعراف : 157 ] ؛ يعني : إصرهم من العهد الذي كان بين الله تعالى وبين حبيبه صلى الله عليه وسلم ، بأن لا يوصل أحد إلى مقام أميته وحبيبته إلا أمته وأهل شفاعته تبعيته ، كما قال تعالى : { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } [ آل عمران : 31 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : " الناس يحتاجون إلى شفاعتي حتى إبراهيم " ، فكان من هذا العهد عليهم شدة وأغلال منعهم من الوصل إلى هذا المقام . فقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم عنهم الإصر والأغلال بالدعوة إلى متابعته ، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى : { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ } [ الأعراف : 157 ] ؛ أي : وقروه ، واختصاص هذا المقام أنه مخصوص به من بين سائر الأنبياء والرسل ، { وَنَصَرُوهُ } [ الأعراف : 157 ] بالمتابعة ، { وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ } [ الأعراف : 157 ] ؛ يعني : حين اختطف بأنوار الهداية عن أنانيته فاستفاد نور الوحدة ، كما قال تعالى : { قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ } [ المائدة : 15 ] ؛ يعني : محمد صلى الله عليه وسلم ، { وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } [ المائدة : 15 ] ؛ يعني : القرآن ، فأمروا بمتابعة هذا النور ؛ ليقتبسوا منه نور الوحدة فيفوزوا بالسعادة الكبرى والنعمة العظمى . { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [ الأعراف : 157 ] من حجب الأنانية الفائزون بنور الوحدة ، ثم أمر الله تعالى حبيبه صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم أنه هو رسول الله المبعوث إليهم جميعاً ، ثم بعد تعريفه لهم عرف نفسه فقال تعالى : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ الأعراف : 158 ] ؛ أي : سماوات القلوب وأرض النفوس ، { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [ الأعراف : 158 ] ؛ أي : لا مدبر فيهما غيره ، { يُحْيِـي } [ الأعراف : 158 ] قلب من يشاء بنور الوحدة ، { وَيُمِيتُ } [ الأعراف : 158 ] نفسه عن صفات البشرية والأنانية ، { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ } [ الأعراف : 158 ] ؛ يعني : آمنوا إيمان أهل التوحيد بالله وبرسوله المخصوص بعد الرسالة والنبوة بالله بنور الله وهو : نور الوحدة ، وكلماته وهي : ما أوحى الله إليه ليلة المعراج بلا واسطة ، كما قال تعالى : { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ } [ البقرة : 285 ] ؛ يعني : إيمان العيان في مقام الوحدة . ثم أمرهم باتباعه للوصول إلى مقام الوحدة وخصوصية أميته ، فقال تعالى : { وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ } [ الأعراف : 158 - 159 ] إلى قوله : { بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ } [ الأعراف : 162 ] الإشارة فيها : أن الله تعالى بعد إظهار كمالات أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهم خواص القوم ، ثم أخبر عن عوامهم ؛ ليظهر الفرق بين الفريقين ، فقال تعالى : { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ } ؛ يعني : خواصهم الذي يرشدون الخلق بالكتاب المنزل بالحق على موسى عليه السلام . { وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [ الأعراف : 159 ] ؛ أي : به يحكمون بين العوام فشتان بين أمة أمية بلغوا على مراتب الروحانية بالسير في متابعة النبي الأمي ، ثم اختطفوا عن أنانية روحانيتهم بجذبات أنوار المتابعة إلى مقام الوحدة التي هي مصدر وجودهم في بقاء الوحدة كما قال تعالى : " كنت له سمعاً وبصراً ولساناً فبي يسمع وبي يبصر وبي ينطق " وللرجوع والوصول إلى هذا المقام سُموا أمِّيون ، فإنهم رجعوا إلى أصلهم الذي صدروا منه إيجاداً وبين أمة كان نبيهم محجوباً بحجاب الأنانية عند سؤال الرؤية بقوله تعالى : { أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } [ الأعراف : 143 ] فأجب : { لَن تَرَانِي } [ الأعراف : 143 ] لأنك كنت بك لا بي ، فإنه لا يراني إلا من كان بي لابه ، فأكون بصره الذي يبصر به ، وهذا مقام الأمة الأمية ، فلهذا قال موسى عليه السلام : اللهم اجعلني من أمة أحمد شوقاً إلى لقاء ربه ، فافهم جدّاً .