Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 167-170)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن ابتلاء أهل البلاء بالحسنات والسيئات بقوله تعالى : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ } [ الأعراف : 167 ] إلى قوله : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ } [ الأعراف : 170 ] يشير بقوله تعالى : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ } إلى أن الله تعالى حكم بقضائه وقدره في الأزلية أن الأرواح والقلوب اللاتي يتبعن النفس وهواها ، { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ } [ الأعراف : 167 ] وهو الشيطان ، فإنه هو المنظور إلى يوم يبعثون ، وهو يوم القيامة يسومهم ، { سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } [ الأعراف : 167 ] وهو الإبعاد عن العبودية والإضلال عن الصراط المستقيم ، فيعذبون بعذاب الفرقة والقطيعة عن الحق ، وعذاب الخزية والمذلة للنفس والشيطان ، { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } [ الأعراف : 167 ] ؛ يعني : عقابهم يزيد في الدنيا ، وهي لهم ليزدادوا إنما هذا عقوبة في الدنيا وهو يورث العقوبة في الآخرة . { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ } [ الأعراف : 167 ] ؛ يعني : يغفر ذنوب من يرجع إليه ويتوب ؛ أي : الأرواح والقلوب إن رجعت عن متابعة النفس وهواها وتابت إلى الله واستغفرت لغفرت ، فإنه { رَّحِيمٌ } [ الأعراف : 167 ] يرحم من تاب إليه ، وفيه معنى آخر : { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } ؛ أي : يعاقب المؤمنين في الدنيا بأنواع البلاء ، { مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ } [ البقرة : 155 ] ، ويوفقهم الصبر على ذلك ؛ ليجعله كفارة لذنوبهم حتى إذا خرجوا أتقياءً من الدنيا لا يعذبون في الآخرة ولا يعاقبون ويجدون الله ، { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } لهم في الآخرة ، { وَقَطَّعْنَاهُمْ } [ الأعراف : 168 ] ؛ يعني : فرقنا الأرواح والقلوب ، { فِي ٱلأَرْضِ } [ الأعراف : 168 ] أرض الأجساد ، { أُمَماً } [ الأعراف : 168 ] فرقاً ، { مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ } [ الأعراف : 168 ] ؛ أي : قابلون لفيض نور الله ، { وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ } [ الأعراف : 168 ] في المقبول . { وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ الأعراف : 168 ] ؛ يعني : جعلنا الحسنات وهي : الطاعات والخيرات ، والسيئات وهي : المعاصي والمظالم وسيلة الرجوع إلى الحق وقبول فيض النور ، فأما الحسنات فبقدم الطاعات والخيرات يتقرب العبد بها إلى ربه ، وأما السيئات فبقدم ترك المعاصي ورد المظالم يتقرب بها إليه ، فقال تعالى : " من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً " ، وقال : لن يتقرب إلي المتقربون بمثل أداء ما افترضت عليهم ، وعن بعض المشايخ أنه قال : خطوات وقد وصلت ، وفيه معنى آخر : وبلوناهم بالحسنات ؛ ليرجعوا إلينا بالشكر والسيئات ؛ ليرجعوا بقدم الصبر ، فبقدمي الشكر والصبر يرجع إلينا الأرواح والقلوب ، وأيضاً : { وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ } ؛ أي : بكثرة الطاعات ورؤيتها والعجب بها ، كما كان حال إبليس ، { وَٱلسَّيِّئَاتِ } ؛ أي : بالمعاصي ورؤيتها والندامة عليها والتوبة منها والخوف والخشية من ربه ، كما كان حال آدم عليه السلام فرجع إلى الله تعالى وقال : { رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } [ الأعراف : 23 ] . { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } [ الأعراف : 169 ] ؛ أي : فخلف الأرواح والقلوب من بعدهم لمَّا سلكوا طريق الحق ووصلوا إلى مقعد الصدق ، خلف السوء وهم : النفوس الأمارة بالسوء ، { وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ } [ الأعراف : 169 ] وهو ما ألهمهم الله به الأرواح والقلوب من المواعظ والحكم والمعاني والأسرار ورثت النفوس ، { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } [ الأعراف : 169 ] ؛ يعني : من شأن النفوس ؛ أي : يجعلون المواهب الربانية والكشف الروحاني ذريعة العروض الدنيوية ويصرفوها في تحصيل المال والجاه واستيفاء اللذات والشهوات ، { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } [ الأعراف : 169 ] ؛ أي : لأنا وصلنا إلى مقام ورتبة يغفر لنا ويعفو عنا مثل هذه الزلات والخطيئات كما هو مذهب أهل الإباحة جهالة وغروراً منهم ، وفيه معنى آخر : وهو أنهم يقولون : سيغفر لنا إذا استغفرنا عنها ، وهم يستغفرون باللسان لا بالقلب . { وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ } [ الأعراف : 169 ] ؛ أي : لم يمنعوا عن مثله بعد الاستغفار ، بل يتعرضونه ولا يبالون به ، { أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ } [ الأعراف : 169 ] ؛ يعني : ألم يكن من مقتضيات مواهب الحق والمواعظ والحكم والإلهامات الربانية ، { أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ } [ الأعراف : 169 ] ؛ أي : لا ينطقون بما لم يعقلوا ولا يفترون على الله ، بل يقولون على الله ما هو الحق ، { وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ } [ الأعراف : 169 ] ؛ أي : قرءوا على أنفسهم وعلى غيرهم ما هو الحق والحقيقة لتلك الكشوف الروحانية من خرجها بتسويلات النفس والوساوس الشيطانية ، { وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ } [ الأعراف : 169 ] ؛ يعني : من حقائق تلك الكشوف ، وإن الدار الآخرة ونعيمها والسعادة المؤخرة فيها خير من الدنيا وما فيها للذين يتقون بالله عما سواه ، { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ الأعراف : 169 ] ؛ يعني : النفوس التي تطلب الدنيا وشهواتها بالدين بعد أن يتمتعوا بمواهب الحق بتبعية الأرواح والقلوب ، { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ } [ الأعراف : 170 ] ؛ يعني : النفوس المتمسكة بتلك المواهب والكشوف والإلهامات . { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } [ الأعراف : 170 ] ؛ أي : وأداموا على العبودية والرجوع إلى الله والمناجاة معه ، { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ } [ الأعراف : 170 ] ؛ أي : لا نضيع أجر النفوس القابلة لأنوار الله تعالى مالها بالاقتباس من نور الله من الأرواح والقلوب ، فإن النفوس مع أماريتها بالسوء تصير باتباع الأرواح والقلوب وتزكيتها على وفق الشريعة وقانون الطريقة صالحة لأنوار الله لفيضه ورحمته ، ولهذا ذكر النفوس بالمصلحين هاهنا ، كما ذكر القلوب والأرواح ثمة بالصالحين حين قال تعالى : { مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ } [ الأعراف : 168 ] وإنما قال لها الصالحون ؛ لأنها خلقت في أصل الخلقة صالحة لقبول فيض نور الله بالتربية والتزكية والتخلية بعد أن لم تكن صالحة له ، ولهذا قال تعالى : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } [ الشمس : 7 - 10 ] .