Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 187-192)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن سؤالهم من سوء حالهم بقوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } [ الأعراف : 187 ] إلى قوله : { يُؤْمِنُونَ } [ الأعراف : 188 ] الإشارة فيها : أن الساعة عبارة عن : الساعة التي يظهر الله تعالى فيها آثار الصفة القهارية ؛ لإفناء عالم الصورة وهو الملك ظاهر الكون كقوله تعالى : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [ غافر : 16 ] حين تطوى السماوات وتبدل الأرض ولا يبقى من الملك وأهله داعٍ ولا مجيب ، فيجيب هو سبحانه ويقول : { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [ غافر : 16 ] ، وفي قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ الأعراف : 187 ] دليل على أن للساعة ثقلاً من ظهور صفة القهر يضيق منها نطاق طاقة السماوات والأرض ، وأنه مما استأثر الله به نفسه ، وأنها هي الساعة التي يموت فيها الخلق ؛ لأنه يقول { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } . وفي قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } [ الأعراف : 187 ] معنى آخر من الإخفاء : وهو المنع ، منعت علمها عنهم ، ومنه في حديث خليفة كتبت إلى ابن عباس أن يكتب إلي ويخفي عني ؛ أي : يمسك عني بعض ما عنده مما لا أحتمله وعطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فوق ثلاث فقال له : خفوت ؛ أي : منعتنا أن نشمتك بعد الثلاثة ، والخفو : المنع ، فقال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ } [ الأعراف : 187 ] لا عندي ، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 187 ] أن علمها عند الله وليس عندك ، يدل عليه قوله تعالى : { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً } [ الأعراف : 188 ] بمشيئة حادثة ، { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } [ الأعراف : 188 ] في الأزل بمشيئة القديمة أن يكون لي أو يملكني ما شاء لي تمليكه ، { وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } [ الأعراف : 188 ] ؛ يعني : ولو كنت كذلك ، { لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ } [ الأعراف : 188 ] من الحياة الأبدية ورفع الحاجات البشرية والأحكام الإلهية ، { وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ } [ الأعراف : 188 ] ؛ أي : الموت والحاجات ، { إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ } [ الأعراف : 188 ] لمن كان حياً بالحياة الحقيقية فيسمع كلامي وينتفع بإنذاري فيؤثر ما يبقى علي ما يفنى ، { وَبَشِيرٌ } [ الأعراف : 188 ] بما فضل الله به على خواص عباده من الدرجات العلية المقامات السنية والكرامات والقربات ، { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [ الأعراف : 188 ] بها والسعي في تحصيلها ، فإن الإيمان الحقيقي هو : السعي في طلب ما آمنوا به والإتيان بما أمروا به والانتهاء عما نهوا عنه . ثم أخبر عن الذي عنده علم الساعة بقوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } [ الأعراف : 189 ] إلى قوله : { فَلاَ تُنظِرُونِ } [ الأعراف : 195 ] والإشارة فيها : أن في قوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } ؛ تعريف نفسه بالخالقية والقادرية على أنه يخلق النفوس كلها من نفس واحدة وهي : نفس آدم عليه السلام ، وفيه يشير إلى أن النفوس كما خلقت من نفس واحدة فكذلك الأرواح خلقت من روح واحدة وهو : روح محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان هو أبا الأرواح كما كان آدم أبا البشر لقوله صلى الله عليه وسلم : " أنا لكم كالوالد لولده " وقوله صلى الله عليه وسلم : " أول ما خلق الله روحي " فإن أول كل نوع هو المنشأ منه ذلك النوع من الحيوانات والنبات بقوله تعالى : { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } [ الأعراف : 189 ] يشير إلى أن آدم عليه السلام لما خلق ونفخ فيه الروح كان روحه مستوحشاً من القلب الجسماني ؛ لأنه كان أنيس الحق تعالى في حظائر القدس بكذا ألف سنة ؛ ولهذا سمي إنساناً ، ثم ولد له من نفسه بالنفخة الإلهية حواء ، فلو لم يخلق حواء من نفسه لما سكن روحه إلى غير الحق ، ومع هذا ما كان ليسكن روحه وروحها إلى شيء حتى أمر بالسكون إلى الجنة ونعيمها تأكيداً لمساكنة كل واحد منهما إلى الآخر بقوله تعالى : { وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ } [ البقرة : 35 ] وهذا أمر التكوين إلى سكون الروح إلى القلب ؛ لأنه خلق منه ؛ ولأنه كان مخصوصاً بين الأصبعين من أصابع الله تعالى ، وكان الروح يشم من القلب نسيم نفحات ألطاف الحق تعالى . { فَلَماَّ تَغَشَّاهَا } [ الأعراف : 189 ] ؛ أي : الروح القلب ، { حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ } [ الأعراف : 189 ] ؛ أي : حمل القلب بالنفس وصفاتها حملاً خفيفاً في البداية بظهور أدنى أثر من أثار الصفات ، خافاً على أنفسهما الروح والقلب من تبدل الصفات الروحانية الأخروية النورانية بالصفات النفسانية الدنيوية الظلمانية ، { دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } [ الأعراف : 189 ] . { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً } [ الأعراف : 190 ] ؛ أي : نفساً قابلة للعبودية ، { جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا } [ الأعراف : 190 ] ؛ أي : جعل الروح والقلب وجه النفس إلى الدنيا ونعيمها ؛ ليقوم القالب بها ؛ ولقيامها صلاحاً للعبودية ، فلما استلذت النفس من الدنيا عبدتها وعبدت ما فيها فصارت عبد البطن وعبد الخميصة وعبد الدرهم والدينار ، { فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الأعراف : 190 ] بأن يجعلوه شريك الدنيا في التعبد والعبودية ، { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } [ الأعراف : 191 ] يعني : الدنيا وما فيها ، { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً } [ الأعراف : 192 ] ؛ أي : لا يستطيع الدنيا وما فيها للروح والقلب والنفس تقوية وتربية إلا بالله تعالى ، { وَلآ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } [ الأعراف : 192 ] للبقاء والدوام .