Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 180-186)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن أسمائه الحسنى وصفاته العليا بقوله تعالى : { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } [ الأعراف : 180 ] إلى قوله : { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 182 ] يشير إلى أن اسم الله له بمثابة العلم للحق وهو : اسم ذاته تعالى ، والباقي من الأسماء هو أسماء الصفات ؛ لأنه قال تبارك وتعالى : { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } فأضاف الأسماء إلى اسم الله ، وأسماؤه كلها مشتقة من صفاته إلا اسم " الله " فإنه غير مشتق عندنا وعند الأكثرين ؛ لأنه اسم الذات ، وكما أن ذاته تبارك وتعالى غير مخلوقة من شيء كذلك اسمه غير مشتق من شيء ، فإن الأشياء غير مخلوقة وما اشتق من مخلوق فهو أيضاً مخلوق ، فأسماء صفاته تعالى بعضها مشتق من الصفات الذاتية فهو غير مخلوق ، وبعضها مشتق من صفات الفعل فهو مخلوق ؛ لأن صفات الذات : كالحياة والسمع والبصر والكلام والعلم والقدرة والإرادة والبقاء قديمة غير مخلوقة ، وذاته سبحانه تبارك وتعالى في الأزل بها موصوفة ، وصفات الفعل : كالخلق والرزق والعطاء والمنع وغيره من صفات الفعل مخلوقة تضاف إليه عند الإيجاد ، فلمَّا أوجد الخلق وأعطاهم الوزن سمي خالقاً ورازقاً ، إلا أنه تعالى كان في الأزل قادراً على الخالقية والرازقية ، فقوله تعالى : { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } ؛ أي : الصفات الحسنى . { فَٱدْعُوهُ بِهَا } [ الأعراف : 180 ] ؛ أي : فادعوا الله بكل اسم مشتق من صفة من صفاته ، بأن تتصفوا وتتخلقوا بتلك الصفة كالاتصاف بها بالأعمال والنيات الصالحة كصفة الخالقية ، فإن الاتصاف بها أن تكون مناكحة للتوالد والتناسل لخلافة الخالق ، كما قيل لحكيم وهو يواقع زوجته : ما تعمل ؟ قال : إن تم فإنساناً ، والاتصاف بصفة الرازقية بأن : ينفق ما رزقه الله على المحتاجين ولا يدخر منه شيئاً فعلى هذا قس الباقي ، وأمَّا التخلق بها فبالأحوال وذلك بتصفية مرآة القلب ومراقبته عن التعلق بما سوى الله وبوجهه إليه ؛ ليتجلى له بتلك الصفات فيتخلق بها وهذا تحقيق قوله : " كنت له سمعاً وبصراً فبي يسمع وبي يبصر " . { وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ } [ الأعراف : 180 ] قال : يميلون صفاته ؛ أي : لا يتصفون بها ، وتسميته تعالى باسم لم يسم به نفسه أيضاً من الإلحاد ، كما يسمونه الفلاسفة بـ " العلة الأولى " و " الموجب بالذات " يعنون به : أنه تعالى غير مختار في فعله وخلقة وإيجاده تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ، ومن وصفه لم يرد به النص فأيضاً إلحاد ، { سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 180 ] سيجزون الخذلان ؛ ليعلموا بالطبع والهوى { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } بالإلحاد في الأسماء والصفات فيكونوا { كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [ الأعراف : 179 ] . { وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ } [ الأعراف : 181 ] ؛ يعني : وزروا هؤلاء الملحدين في الأسماء فإنهم ضالون ، وإنا خلقنا طائفة من الخواص { يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ } ؛ أي : يتصفون بصفات الحق ، { وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [ الأعراف : 181 ] ؛ أي : وبالحق يحكمون ويميلون إلى الأعمال والأحوال والصفات والأخلاق ، { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا } [ الأعراف : 182 ] ؛ أي : لم يعملوا بها ولم يتصفوا بصفاتنا ، يشير إلى : أحوال أرباب الظواهر فإنهم يعملون بأعمال الشريعة ظاهراً ويستحقون بها المراتب العلية ، ولم يعملوا بأعمال بواطنها في عمارة الباطن ، ليتصفوا بصفات الحق ، وإن تحصل لهم شيء من الأعمال الظاهرة والأحوال الباطنة يجعلونه وسيلة وذريعة لتحصيل المقاصد الدنيوية من الجاه والمال والشهوات فهذا تكذيب الآيات ، { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 182 ] بأن نكلهم إلى أنفسهم وهواها ؛ ليميلوا بالطبع عن الحق ، ثم يفتح عليهم أبواب ما يميل إليه هوى أنفسهم بالتدريج ؛ ليندرجوا فيها ولا شعور لهم بالانحطاط عن مراتبهم والتدرج من منازلهم ، بل { يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [ الكهف : 104 ] ، وهذا حقيقة قوله تعالى : { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } [ الأعراف : 183 ] في إملائهم وخذلانهم بأن ينزلوا إلى الدركات وهم يحسبون أنهم يصعدون على الدرجات . ثم أخبر عن بداية الهداية أنها التفكر والتذكر بقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [ الأعراف : 184 ] إلى قوله { يَعْمَهُونَ } [ الأعراف : 186 ] الإشارة فيه : أن التفكر بالعقل السليم يورث النظر والاعتبار ، فقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ } يدل على أن العاقل لو يتفكر بالعقل السليم عن آفات الوهم والخيال والتقليد والهوى في حال النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وسيرته فضلاً عن معجزاته ؛ لتحقق عنده أنه النبي الصادق صلى الله عليه وسلم ، وإنما يدعوه إليه كل حق وصدق وأنه ينجوا بهذا التفكر من النار ، كما أخبر تعالى عن حال أهل النار بقوله تعالى : { وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [ الملك : 10 ] . وفي قوله { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ } [ الأعراف : 185 ] إشارة إلى أن المكونات من نوعين : نوع منها : ما خلق من غير شيء ؛ وهو الملكوت الذي هو باطن الكون ، والكون به قائم بالقدرة كقوله تعالى : { فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } [ يس : 83 ] ، ونوع منها : ما خلق من شيء ؛ وهو الملك الذي ظاهر الكون ، فكما أن النظر في الملك بحس البصر فالنظر إلى الملكوت بالعقل والقلب ، فنظر أرباب العقول فيه يفيد رؤية الآيات والاستدلال بها إلى معرفة الخالق وإثبات الصانع ، ونظر أصحاب القلوب فيه يفيد شواهد الغيب ، بالولوج فيه يصير إيمانه إيقاناً بل عياناً ، كقوله تعالى : { وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ } [ الأنعام : 75 ] ؛ ليكونوا مستدلين بنظر العقول أو الموقنين بنظر القلوب . { وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ } [ الأعراف : 185 ] ؛ يعني : إن شاهدوا بمطالعة الملكوت إنهم من الفانيات فعل أجل فنائهم قد اقترب ، فإن لم يؤمنوا بطريق النظر استدلالاً ومشاهدة ، { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } [ الأعراف : 185 ] ؛ يعني : والآجال قريبة فيموتون عن الفكر ، ثم قال تعالى : { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } [ الأعراف : 186 ] ؛ أي : من خذله الله لينظر في الملكوت بنظر العقل والقلب يبقى على ضلالة البشرية وجهالة الإنسانية فلا هادي غير الله ، ولا يهديه الله ، { وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [ الأعراف : 186 ] ؛ أي : ونذرهم في طغيانهم بالخذلان إلى طبيعتهم في العصيان يتيهون بنعمة البصيرة ولا يرون حقاً ولا يتركون باطلاً .