Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 1-7)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ الۤمۤصۤ } [ الأعراف : 1 ] ، إلى قوله : { مَّا تَذَكَّرُونَ } [ الأعراف : 3 ] والإشارة فيها : أنه تعالى بعد ذكره ذاته وصفاته بقوله : { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } ، عرَّف نفسه بقوله : { الۤمۤصۤ } ؛ يعني : الله هو إله ؛ من لطفه أفرد عباده للمحبة والمعرفة ، وأنعم عليهم الله بالصدق والصبر ؛ لقبول كمالية المعرفة والمحبة بواسطة : { كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ } [ الأعراف : 2 ] بأن نزله على قلبك وشرح به صدرك ، { فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ } [ الأعراف : 2 ] ؛ أي : مما فيه من كثرة الحقائق والمعاني والأسرار والأنوار والأفعال ؛ إذ جعل خالقك معاني القرآن نور قلبك بأنواره وحقائقه ، فاتسع به قلبك وانفتح له صدرك ، فما بقي الضيق والحرج بخلاف الكتب المنزلة على الأنبياء من قبلك ، فإنها كانت تنزل عليهم في الصحف والألواح ، فكان من نزولها في صدر بعضهم نوع حرج حتى أن موسى عليه السلام ألقى الألواح من نوع ضيق وحرج أصابه مما فيه الألواح وخطاب الحق ، فخصَّ نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم بتنزيل الكتاب على قلبه يشرح له صدره بأنواره فلا يكن في صدره حرج منه . { لِتُنذِرَ بِهِ } [ الأعراف : 2 ] الأمة حين تتلوه عليهم وليكون { وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ الأعراف : 2 ] ؛ أي : يتعقلون به وينتفعون بحقائقه في متابعة نبيه صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى : { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ } [ الأعراف : 3 ] ، ومما نزل إليهم قوله : { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } [ الحشر : 7 ] فإن المؤمنين مأمورون بإتباع ما أنزل من ظاهر القرآن وباطنه ؛ يعني : حقائقه وأسراره وحكمه ، وبأن يأخذوه من النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إذ هو به مبعوث لقوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ } [ الجمعة : 2 ] ، فالكتاب : هو ظاهر القرآن ، والحكمة : هي باطنه وأسراره وحقائقه في قوله تعالى : { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ } [ الأعراف : 3 ] . إشارة أخرى تتضمن ألف بشارة وهي : إن الله تعالى كما شرف النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : { كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ } [ الأعراف : 2 ] جعل له دخلاً في اتباع القرآن والتخلق بأخلاقه ونيل كمالات تندرج فيه بقوله تعالى : { ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ } ثم قال عز وجل : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ } [ الأعراف : 3 ] ؛ أي : من دون الله ، { أَوْلِيَآءَ } [ الأعراف : 3 ] أحباء [ معاونين ] ، { قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } [ الأعراف : 3 ] ؛ أي : قليلاً منكم يا بني آدم من يتعظ فلا يتخذ من دون الله أحداً . ثم أخبر عن الهالكين غير المتعظين بقوله تعالى : { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا } [ الأعراف : 4 ] ؛ أي : أهلها ، إلى قوله : { وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ } [ الأعراف : 7 ] ، والإشارة فيها : أن طول المهلة توجب الغفلة ، وأن إكثار الغفلات توجب الإهلاكات ، فكم { مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا } ركنوا إلى الغفلة ، فاعتبروا بطول المهلة ، فباتوا في حفظ الرعية ، { فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } [ الأعراف : 4 ] فأصبحوا وقد صادفهم البلاء بغتة وأدركتهم سطوات قهرنا فجأة . { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ } [ الأعراف : 5 ] ، والإشارة : فاعترفوا من الذنب بالاعتراف حين لا ينفعهم الاعتراف ، فلا بلاء كشف عنهم ، ولا دعاء سمع لهم ، ولا إقرار نفعهم ، ولا صريخ أنقذهم فما زالوا يقرعون إلى الابتهال ، ويقرعون باب النوال ، ويدعون إلى كشف الضر ، ويبكون السر حتى هادوا جميعاً وهلكوا سريعاً . وفيه إشارة أخرى : { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا } ؛ أي : قرية قلب أفسدنا استعدادها ، { فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } ؛ أي : قلبناها وأزغناها بإصبع القهارية إظهاراً للجبارية ، وأهلها نائمون على فراش الحسبان قائلون في نهار الخذلان : { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ } [ الأعراف : 5 ] ؛ أي : ادِّعاؤهم ، { إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } [ الأعراف : 5 ] ؛ أي : ادعوا أن القدرة على تغليب الحال إنما كان لهم ؛ وذلك من دناءة همتهم وركاكة عقلهم وقصر نظرهم حتى أحالوا القدرة والتصرف فيهم إلى أنفسهم وهم لاهون عن قوله تعالى : { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ } [ الأنعام : 110 ] . { فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ } [ الأعراف : 6 ] ، [ سؤال ] تعذيب وتعنيف تسألون عن القبول ، هل قبلتم الرسالة وعملتم بما أمرتم أم لا ؟ وفيه معنى آخر ؛ أي : فلنسألن الذين كانوا مخصوصين بالرسالة إليهم من المؤمنين قابلي الدعوة هل بقوله : هل بلغ إليكم رسلنا رسالتنا ومواعيدنا ، وهل بينوا لكم حقائق ما أنزل إليكم ، ووصفوا لكم ما أعدونا من المقامات والدرجات والكرامات لكم ، وهل دعوكم إلى كمالات الدين وكشف الغطاء عن اليقين ؟ وهذا سؤال تقريب وتشريف ، { وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ الأعراف : 6 ] ، هل وجدتم في الأمم أقواماً قابلي الدعوة والرسالة من أهل المحبة والعناية ؟ كما وعدناكم بإتيانهم بقوله : { فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [ المائدة : 54 ] ، وهذا سؤال إنعام وإكرام . { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ } [ الأعراف : 7 ] ؛ أي : فلنبين لكل طائفة من الرسل والمرسل إليهم أن إرسالنا إليهم كان بعلم منا بقوله تعالى : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [ الأنعام : 124 ] ، وما أرسلناهم عبثاً وإنما أرسلناهم لأمر عظيم وشأن جسيم ، { وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ } [ الأعراف : 7 ] عن الرسل والمرسل إليهم ؛ أي : كنَّا مع الرسل ، بالعظمة والكفاية ومع المرسل إليهم بالتوفيق والتثبيت والهداية .