Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 204-206)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن دأب القلوب في اجتلاب إلهامات الغيوب بقوله تعالى : { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ } [ الأعراف : 204 ] إلى آخر السورة الإشارة فيها : أن الإنصات شرط في حسن الاستماع ، وحسن الاستماع شرط في الأسماع ، فقال تعالى : { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْآنُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ } [ الأعراف : 204 ] بلسانكم الظاهر ؛ لتسمعوا له بأذانكم الظاهرة { وَأَنصِتُواْ } بألسنتكم الباطنة ؛ لتسمعوا بآذانكم الباطنة ، { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ الأعراف : 204 ] بالاستماع بالسمع الحقيقي ، وهو قوله تعالى : " كنت له سمعاً بي يسمع " ، فمن سمع القرآن بسمع بارئه فقد سمع من قارئه ، وهذا سر { ٱلرَّحْمَـٰنُ * عَلَّمَ ٱلْقُرْآنَ } [ الرحمن : 1 - 2 ] ، فهو مستعد لخطاب ، { وَٱذْكُر رَّبَّكَ } [ الأعراف : 205 ] بالأفعال والأخلاق والذات ، { فِي نَفْسِكَ } [ الأعراف : 205 ] بأن تبدل أفعال نفسك بالأعمال التي أمر الله بها ، وتبدل أخلاقها بأخلاق الله تعالى وتفني ذاتها في ذات الله ، وهذا كما قال الله تعالى : " وإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي " وهو سر قوله تعالى : { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } [ البقرة : 152 ] ، ألا ترى أن الفراش لما ذكر الشمعة في نفسه بإفناء ذاته في ذاتها كيف ذكر الشمعة في نفسه بإبقائها ببقائه على أن تلك الحضرة منزهة عن المثل والمثال ، قوله تعالى : { تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } [ الأعراف : 205 ] التضرع : من باب التكلف : بداية هذا الذكر : بتبديل أفعال النفس بأعمال الشريعة يكون بالتكليف ظاهراً ، ووسطه : بالتخلق بأخلاق الله بآداب الطريقة يكون مخفياً باطناً ، ونهايته : بإفناء ذاتها في ذاته بأنوار الحقيقة يكون منهياً عن جهر القول ، وهذا حقيقة قوله صلى الله عليه وسلم : " إفشاء سر الربوبية كفر " . قوله تعالى : { بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } [ الأعراف : 205 ] يشير إلى : غدو الأزل وآصال الأبد ، فإن الذاكر الحقيقي هو : المذكور الحقيقي ، والذاكر والمذكور في الحقيقة هو : الله الأزلي الأبدي ؛ لأنه تعالى قال في الأزل : { فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ } [ البقرة : 152 ] ففي الأزل خاطبهم وكان هو الذاكر والمذكور على الحقيقة ، على أنا نقول : ما ذكره إلا هو ، وهذا حقيقة قول يوسف ابن الحسين الرازي : ما قال أحد الله إلا الله تعالى ، ولهذا قال تعالى : { وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ } [ الأعراف : 205 ] الذين لا يعلمون أن الذاكر والمذكور هو : الله تعالى في الحقيقة . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ } [ الأعراف : 206 ] ؛ يعني : الذين أفنوا أفعالهم وأخلاقهم وذواتهم في أوامر الله وأخلاقه وذاته ، فما بقوا عند أنفسهم وإنما بقوا ببقاء الله عنده ، { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } [ الأعراف : 206 ] ؛ لأن الاستكبار من أخلاقهم وقد أفنوها في أخلاقه ، فما بقي لهم الاستكبار فكيف يستكبرون عن عبادته وقد أفنوا أفعالهم في أوامر الله وهي عبادته ، فأعمالهم قائمة بالعبادة لا بالفعل ، وهم في حال الفناء عن أنفسهم والبقاء بالله ، { وَيُسَبِّحُونَهُ } [ الأعراف : 206 ] ينزهونه عن الحلول والاتصال والإتحاد ، وعن أن يكون هو العبد أو العبد إياه ؛ بل هو كما كان في الأزل { لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } [ الإنسان : 1 ] . { وَلَهُ يَسْجُدُونَ } [ الأعراف : 206 ] في الوجود والعدم من الأزل إلى الأبد ، سجدوا له من الأزل في العدم منقادين مسخرين لأحكام القدرة في جادة الوجود ، وسجدوا له إلى الأبد في الوجود ببذل الموجود منقادين لقربه قائمين لأحكام القدرة في تصاريف الإعدام والإيجاد والإفناء والإبقاء .