Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 38-41)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فقال في الأزل للأمة المستحقة للنار في كل زمان : { ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ } [ الأعراف : 38 ] ؛ أي : في الأزمنة الماضية على الجن والإنس ، فالمخاطبون بهذا الخطاب والمأمورون بهذا الأمر معنيون في علم الله ، معدودون وهم غير مخلوقين بعد ، فلا يزيدون ولا ينقصون ولا يتجاوزون عمَّا أمروا وهم يدخلون النار على أقدام الأعمال التي هي الموجبة للنار التي سبقت الأمة المتقدمة ، { كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ } [ الأعراف : 38 ] في أعمال أهل النار { لَّعَنَتْ أُخْتَهَا } [ الأعراف : 38 ] ؛ يعني : الأمة التي سبقت إلى هذه الأعمال قبلها ، { حَتَّىٰ إِذَا ٱدَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعاً } [ الأعراف : 38 ] ؛ أي : حتى تداركوا الكل في الأعمال الموجبة للنار واجتمعوا في النار ، { قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ } [ الأعراف : 38 ] ؛ أي : التابعة للمتقدمة عليها في كل زمان ، { رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ أَضَلُّونَا } [ الأعراف : 38 ] عن سبيل الحق وقطعوا علينا طريقنا إليك بأفعالهم وأقوالهم وأحوالهم وسنتهم التي سنوها . { فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ ٱلنَّارِ } [ الأعراف : 38 ] ؛ يعني : مضاعفاً مما تؤتينا من العذاب ؛ لأنهم سنوا هذه السنة السيئة ، وقال صلى الله عليه وسلم : " من سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " { قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ } [ الأعراف : 38 ] من العذاب ؛ يعني : للمتقدمين والمتأخرين ؛ لأن المتقدم متأخر أسن سنة ، وكل متأخر هو متقدم لمتأخر به فيسنون بسنته ، { وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 38 ] أيها المتأخرون أنكم متقدمون بمتأخريكم ، { وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } [ الأعراف : 39 ] ؛ لأنكم سننتم لأخراكم كما سننا لكم وكنتم قادتهم كما كنا قادتكم ، { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُون } [ الأعراف : 39 ] من السنة السيئة ولا تكسبون من السنة الحسنة التي سنها الأنبياء - عليهم السلام - { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا } [ الأعراف : 40 ] ؛ وهي السنن الحسنة المنزلة على الأنبياء ، وما أظهره الله تعالى على الأولياء من الكرامات والعلوم اللدنية فأنكروها . { وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا } [ الأعراف : 40 ] ؛ أي : تكبروا عن قبولها والإيمان بها ، { لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ } [ الأعراف : 40 ] ؛ أي : أبواب سماء القلوب إلى الحضرة ، { وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } [ الأعراف : 40 ] جنة القربة والوصلة ، { حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ } [ الأعراف : 40 ] جمل النفس المتكبرة ، { فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ } [ الأعراف : 40 ] ، وهو مدخل الطريقة التي تربي النفوس الأمارة وتزكيها ؛ لتصير مطمئنة فتستحق بها خطاب : { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [ الفجر : 28 ] ؛ فالمعنى : النفس المتكبرة لمَّا صارت كالجمل ؛ لتكبرها لا تصلح لدخول جنة الحقيقة إلا بعد تزكيتها بأحكام الشريعة وآداب الطريقة ؛ حتى تصير بالتربية في إزالة الصفات الذميمة وقطع تعلقات ما سوى الله أدق من الشعرة بألف مرة فتلج في سم خياط الفناء فتدخل الجنة جنة البقاء ، فافهم جدّاً . { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُجْرِمِينَ } [ الأعراف : 40 ] الذين أجرموا على أنفسهم الضعيفة اللطيفة حتى صارت من الأوزار كالجمل ، بأن يجعل لهم من جهنم المجاهدة والرياضة فراشاً وهو قوله تعالى : { لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ } [ الأعراف : 41 ] ؛ يعني : من مخالفات النفس وقمع الهوى يكون فراشهم ولحافهم ، حتى تحيط بهم فتذيبهم وتحرق عنهم أنانيتهم مع أثقال أوزارهم ليستحقوا دخول الجنة ، { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } [ الأعراف : 41 ] ؛ يعني : بهذه الطريقة تضع عنهم أوزارهم وترد مظالمهم في الدنيا ؛ ليردوا القيامة مستعدين لدخول الجنة ، ومن لم يجز في الدنيا بهذه الطريقة فيجزى في الآخرة كما قال تعالى : { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ السجدة : 21 ] .