Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 42-46)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن أحوال أهل الجنة بعد أهوال النار بقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [ الأعراف : 42 ] إلى قوله : { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ كَافِرُونَ } [ الأعراف : 45 ] ، والإشارة فيها : أن الله تعالى بفضله وكرمه خفف عن أنفس أهل الغاية الإيمان والطاعة فقال : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [ الأعراف : 42 ] ، رفعنا عن ظاهرهم وباطنهم كلفة الإيمان والعمل فسيرنا عليهم العبودية بحسن التوفيق . { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } [ الأعراف : 42 ] ؛ أي : الذي خلقناهم للجنة مستعدين للسير إليها بأقدام الطاعات ، { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ الأعراف : 42 ] إذ خلقوا لها ، { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } [ الأعراف : 43 ] ؛ أي : بنور قذفناه في قلوبهم وهو نور الإيمان فشرحنا صدورهم للإسلام بضوئه ، { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم } من ظلمة صفات البشرية وهي : الغل ، فأخرجناهم من الظلمات إلى النور ، وبدَّلنا أخلاقهم الدنيئة الذميمة بالأخلاق العلية الحميدة ، وطهرنا قلوبهم بالإيمان والعمل الصالح ، وأرواحهم بماء العرفان ، وأسرارهم بشراب طهور تجلي صفات الجمال وجعلناهم { إِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } [ الحجر : 47 ] ؛ أي : إخواناً في الله على سرر من السرور بالله ، متقابلين لألطاف الله وشهود أنوار الغيب وكشوف أسرار الحق تعالى . { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَٰرُ } [ الأعراف : 43 ] ؛ أي : تجري من تحت أسرارهم أنهار الحكمة وعيون المعرفة ، { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ } [ الأعراف : 43 ] اعترافاً منهم وإقراراً على أنفسهم بأنهم ينالوا ما نالوا ، ولم يصلوا إليه من جزيل تلك العطيات وعظيم تلك المواهب والرتب والمقامات بجهدهم واستحقاق فعلهم ؛ وإنما ذلك جمع ابتداء فضل منه ورحمة ، { لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ وَنُودُوۤاْ } [ الأعراف : 43 ] في أسرارهم : { أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا } [ الأعراف : 43 ] يا أهل المحبة من أهل السهو والغفلة ، { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 43 ] وتطلبون ما تحبون في متابعة الحبيب فوجدتم ما طلبتم ، وإنهم لا يعملون بما يعلمون ويطلبون ما يحبون من الدنيا وشهواتها فيجدون دركات السفلى ونهاية البعد . { وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } [ الأعراف : 44 ] ؛ أي : أرباب المحبة ، { أَصْحَابَ ٱلنَّارِ } [ الأعراف : 44 ] ؛ يعني : أهل نار القطيعة ، { أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً } [ الأعراف : 44 ] ؛ أي : فيما قال : ألا من طلبني وجدني ، { فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً } [ الأعراف : 44 ] ؛ أي : فيما قال : من يطلب غيري لم يجدني ، { قَالُواْ نَعَمْ } [ الأعراف : 44 ] فأجابوهم : بل وجدنا حقاً ، { فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ } [ الأعراف : 44 ] العزة والعظمة ، { بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } [ الأعراف : 44 ] الذين وضعوا استعداد الطلب في غير موضع مطلوبه ، وصرفوه في غير مصرفه ، { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ } [ الأعراف : 45 ] ؛ أي : هم الذين يصدون القلب والروح ، { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ الأعراف : 45 ] وطلبه ، { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } [ الأعراف : 45 ] ؛ أي : يصرفون وجوههم إلى الدنيا وما فيها ، { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ كَافِرُونَ } [ الأعراف : 45 ] ؛ أي : وهم منكرون على أهل المحبة فيما يطلبون فيما تأخر عن حسهم وهم يطلبون ما يدركون بالحواس الظاهرة دون ما في الآخرة . ثم أخبر عما بين الفريقين من الحجاب بقوله تعالى : { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } [ الأعراف : 46 ] إلى قوله : { وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } [ الأعراف : 49 ] ، الإشارة فيها : أن بين أهل النار وأهل الجنة حجاباً وهو من أوصاف البشرية والأخلاق الذميمة النفسانية ، فلا يرى أهل النار أهل الجنة من وراء ذلك الحجاب ، وبين أهل الجنة وأهل الله وهم أصحاب الأعراف حجاباً وهو من أوصاف الخلقية والأخلاق الحميدة والروحانية ، فلا يرى أهل الجنة أهل الله تعالى من وراء ذلك الحجاب ، كما قال تعالى : { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } ، { وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ } [ الأعراف : 46 ] من آثار نور القلب وظلمته ، وسميت الأعراف أعرافاً ؛ لأنها مواطن أهل المعرفة ، إنما سمي الله تعالى أهل المعرفة رجالاً ؛ لأنهم بالرجولية يتصرفون فيما سوى الله تصرف الرجال في النساء ولا يتصرف فيهم شيء منه ؛ لقوله تعالى : { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } [ النور : 37 ] . وحيث ما ذكر الله تعالى الخواص ذكرهم برجال كقوله تعالى : { رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } [ الأحزاب : 23 ] ، وكقوله تعالى : { رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ } [ التوبة : 108 ] ؛ لأن وجه الامتياز بين الخواص والعوام بالرجولية في طلب الحق وعلو الهمة ، فإن أصحاب الأعراف بعلو همتهم ترقوا عن حضيض البشرية ودركات النيران وصعدوا على ذروة الروحانية ودرجات الجنان ، وما التفتوا إلى نعيم الدارين وما ركنوا إلى كمالات المنزلين ؛ حتى عبروا على المكونات وأقاموا على الأعراف وهي : مرتبة فوق الجنان في حظائر القدس عند الرحمن ، وهم مشرفون على أهل الجنة والنار ، فلمَّا رأوا أهل الجنة وهم { فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } [ يس : 55 ] وقد شغلوا بنعيمها على المولى ، { وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ } [ الأعراف : 46 ] ؛ يعني : هنيئاً لكم ؛ يعني : ما أنتم فيه من النعيم المقيم والقصور . ثم أخبر عن همة أصحاب الأعراف فقال تعالى : { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } [ الأعراف : 46 ] نعيم الجنة ودرجاتها ، ولم يركنوا إلى شيء منها فعبروا عليها ولم يدخلوها ، وهم على الأعراف يطمعون في الوصول إلى الله تعالى والدخول في الجنة التي أضافها الله تعالى إلى نفسه بقوله : { وَٱدْخُلِي جَنَّتِي } [ الفجر : 30 ] .