Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 75, Ayat: 1-10)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يا صاحب النفس اللوامة ويا أيها السائل عن يوم القيامة ما أعددت له من الكرامة ؛ لأنه يوم مكرم ، بحيث صار محلاً للقسم كما قال في كتابه المعظم : { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ * وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } [ القيامة : 1 - 2 ] ؛ أي : أقسم بهما والسر الذي قرنهما أن كل من وصل إلى قيامته اليوم تصير نفسه الأمارة لوامة ، بحيث تلوم صاحبها في كل حركة وسكون يصدر منه على خلاف أمر الحق ، ولا تحسب أن القيامة بعيده عنك ، بل لو كشف الغطاء غطاؤك لشاهدت القيامة أقرب إليك من شراك نعلك ، ولوامتها دالة على ظهور نور القيامة في باطنك ، وهذه الملامة تنفع لصاحبها ما دامت معها آلات الكسب لتعتذر وتتوب إلى الله ؛ فأما بعد نزع الآلة عنها لا تنفع ملامتها إلا ندامة وحسرة وعذاباً ، والنفس المؤمنة اللوامة تلوم صاحبها في الدنيا ، والنفس الكافرة اللوامة تلوم صاحبها في العقبى . { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } [ القيامة : 3 ] ؛ يعني : يظن الإنسان أنا لا نقدر على جمع العظام البالية بعد تفرقها ، أما ترى في المغناطيس الذي خلقناه في الدنيا وهو حجر جسماني ظلماني وأودعنا فيه خاصية جذب المتفرقات وجمعها ، ومثاله بيِّن في عالم الشهادة إذا سحق الحديد سحقاً وتفرق أجزاؤه في حائط ثم أقيم المغناطيس على رأس الحديد المسحوق المتفرق ، كيف يجمع المتفرقات بقدرتنا وبضم بعضها إلى بعض ؟ فما ظن الكافر بالروح الإنساني وخاصيته إذا أمرنا أن ينظر إلى أجزاء قالبه المتفرقة لا يقدر أن يجمعها ، وخاصية الروح الإنساني اللطيف العلوي لا يكون أقل من الحجر الجسماني الكثيف السفلي . { بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } [ القيامة : 4 ] معناه بلى قادرين على جمع العظام كما كنا قادرين على تسوية بنانه من نطفة لا عظم فيها ولا شكل لها ، فسوينا البنان وسخرناه للإنسان أن يستعمله فيما شاء ، أفلا نقدر على أن نجمع العظام البالية ؟ بلى نجمع عظامه التي بها كان ذا قوة واقترف ذنوبا عظاماً كما سوينا بنانه ليعد ذنوبه ، ويشهد على صاحبه بما استعمله وهو عدة ، { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ * يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ } [ القيامة : 5 - 6 ] ؛ يعني : يكذب الكافر الجاهل ما كنا نعد أيامه من الحساب والجزاء ، ويريد أن يعمل على وفق مشتهاه يسأل متى يكون القيامة استهزاء واستخفافاً يقول الله تعالى : { فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ } [ القيامة : 7 ] ؛ أي : شخص بصر الرجل عند كشف الغطاء ويرى ما بعده اللطيفة المبلغة ، { وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } [ القيامة : 8 ] ؛ أي : أظلم ضوء قمر قلبه في ليل قالبه ، { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } [ القيامة : 9 ] ؛ أي : جمع شمس روحه وقمر قلبه في عالم نفسه ؛ ليرى بضوء شمس روحه أن هؤلاء أعد الله تعالى للقوى العلوية المستكبرة الروحانية التابعة للهوى القوى السفلية على وفق هواها ، وهذا الحال مما يشاهد الأغلال والإنكار التي كسبتها القوى السفلية على وفق هواها ، وهذا الحال مما يشاهد السالك في أثناء سلوكه ، فينبغي أن يتيقن بأنه من علامات القيامة التي قامت بالموت الاختياري ، { يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } [ القيامة : 10 ] لشدة ما يشاهده في ذلك اليوم . فأما السالك في هذه الحالة يلتجئ إلى كشف ولاية شيخه ، أو يعتصم بحبل ذكر الله الذي لقنه شيخه ، أو يلوذ بأذيال ولاية بنيته وكل أحد على مقدار توجهه وصدقه وغلبة الذكر وولاية شيخه أو ولاية بنيته ، يفر من تلك الأهوال إلى ما يغلب عليه في تلك الحالة ، ويتوجه إليه في تلك الساعة من الذكر ، أو الإرادة لشيخه ، أو الاتصال لولاية بنيته .