Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 75, Ayat: 11-21)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فأما البالغون يشاهدون آيات الرب ويفرحون بها ولا يخافون منها ، بل يحبون من شجرة كل آية ثمار معرفة الصفات ، { كَلاَّ لاَ وَزَرَ } [ القيامة : 11 ] ؛ أي : حقّاً لا مهرباً لكم من هذا المقام ولا حصن لكم ؛ لأن الحصن الذي كنتم تتحصنون به في هذا اليوم خربتموه في دار الدنيا ، وما التفتم إلى ما بلغت اللطيفة إليكم عنّا : أن لا إله إلا الله حصني يؤمن من عذابي ما دخلتم فيه وما اشتغلتم بعمارته ، فاليوم لا حصن لكم ولا حرز ولا ملجأ ، أما تعلمون أن الله تعالى قال في كتابه : { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } [ الذاريات : 50 ] ، فلما فررتم إليه في دنياكم من أعادي شيطانكم وهواكم ، ووافقتم أَعداءكم وخالفتم مولاكم فليس لكم اليوم المفر . { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } [ القيامة : 12 ] ؛ يعني : مستقر الخلق ومرجعهم إلى ربهم كما يقول : { إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } [ العلق : 8 ] إلى ربك المنتهى ، { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [ القيامة : 13 ] من عمل صالح أو فاسد ، وبعبارة أخرى بما قدم لنفسه من مكتسباته وبما أخر لورثته من مخلفاته المنحة للورثة والمحنة له ، { بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } [ القيامة : 14 ] ؛ لأن جوارحه وحواسه عددوا أعماله خيرا كان أو شرّاً ، فإذا كشف الغطاء في ذلك اليوم حُدِدَ بصره ووجد جميع أعماله حاضرة عنده . { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } [ القيامة : 15 ] ؛ أي : لو أرخى ستور قالبه فهو بنور قمر قلبه وضياء شمس روحانيته يشاهد في ذلك اليوم مكتسبات لا تستره ستور قالبه ، ولا يخفى خلف ستور الاستعدادات الجسمانية عمل أعماله ؛ لأن القوى الجسمانية والروحانية كانوا شاهدين عليه بما عمل في دار الكسب ، { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } [ القيامة : 16 ] أيتها اللطيفة المبلغة لا تحرك بالوارد لسانك لتعجل بالوارد ويجذب الوارد إليك بالعجلة ؛ لأن العجلة من الشيطان ؛ يعني : اترك اختيارك وألقي سمعك ، ولا تحرك لسانك عند نزول الوارد ، { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } [ القيامة : 17 ] ؛ يعني : ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان قبل ورود الوارد ، فكلما أنا أنزلناه من غير شعورك واختيارك فعلينا أن نجمعه في صدرك ، ونيسر على لسانك قراءته . { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } [ القيامة : 18 ] ؛ يعني : إذا أنزلناه فاسمع ثم اتبع قراءته ، ولا تعجل ببيانه ، ولا تقل من نفسك معناه ، { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [ القيامة : 19 ] فكلما إنا أنزلنا الوارد فعلينا أن نبين عليك معناه ونيسر على لسانك بيانه ، { كَلاَّ } [ القيامة : 20 ] ؛ أي : حقّاً لا ينفع البيان لمجيء الدنيا ؛ لأنهم { بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } [ القيامة : 20 - 21 ] هم يحبون الشهوات العاجلة لنفوسهم ولا يصبرون على تركها ، لأنهم لا يؤمنون بالآخرة ، وهم القوى القالبية والنفسية الغالبة على القوى الروحانية واستردافها للهوى .