Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 75, Ayat: 22-30)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } [ القيامة : 22 ] ؛ يعني : إذا برق البصر يرى وجوهاً مسرورة منظرة منعمة بمشاهدة جمال وجه الرب ، { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } [ القيامة : 23 ] بلا حجاب كلما ينظر إلى نضارة وجه الناظر وقرارة عينه وحق لها تنظر وتفر ، وكلما تزيد نضارة الوجه وقرارة العين يتنعم بمشاهدة جمال وجه الرب أكثر من الأول ؛ لأن حسن جماله بلا نهاية ، والناظر بقدر قرارة عينه يقدر أن يشاهد ذلك الجمال ، فكلما يزداد قربه يزداد حسن جماله في نظره ولأجل هذا لا يستريح الواصلون من العمل بعد وصولهم إلى الأصل و { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ } [ الصافات : 61 ] ، وعلى هذه المشاهدة { فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ } [ المطففين : 26 ] فعلامة الواصل إلى هذا المقام في الدنيا زيادة عطشه عند شرب ماء مشاهدته ، فكلَّما يزداد عطشه إلى أبد الآباد ، وسر هذا الحرف يتعلق بحد القرآن ، فاجتهد في أن تصل إلى هذه الكرامة العظيمة في الدنيا ؛ لأن استيفاء حظك منها مع الآلات والأدوات يزيد نفعاً فما يرى بعد نزع الآلات والأدوات . { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } [ القيامة : 24 ] ؛ أي : عابسة كالحة مغتمة قبيحة مكدرة من سوء أعمالهم ، وقبح أفعالهم ، وكدورة أخلاقهم ، { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } [ القيامة : 25 ] يظن أحد إن أراها أن إصابتها واهية ، وهو بنفسه رأى وجهه ويتألم من مشاهدة وجهه القبيح العابس ، ولا بد له من مشاهدته ؛ لأنه كسبه لنفسه بنفسه ، وهو غمر غائب عنه لمحة ، بل صار عين وجوده القبح والألم ، وهذا من العذاب الأليم نعوذ بالله منه . { كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } [ القيامة : 26 ] ؛ يعني : حقاً إذا بلغت روح كل واحد ترقونه ، { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } [ القيامة : 27 ] ولا راق له إلا الحق ، { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } [ القيامة : 28 ] ويتيقن صاحبه بأن لا راق له ، وإن لا بد له من فراق الدنيا وهجرانها ، { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } [ القيامة : 29 ] ؛ يعني : من الهيبة والشدة المتتابعة ، وهذه حالة سيشاهدها السالك في أثناء سلوكه وقت ظهور قياسته ، واشتغاله بما لا يعنيه في اليوم الذي وقعت له هذه الواقعة وهذه من أصعب الحالات ، فينبغي للسالك إذا رجع في واقعته يستغفر مما كان عليه قلبه . { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } [ القيامة : 30 ] لا ينفع لف الساق بالساق عن ساقه إلى ربه ؛ لأن حضرة الرب مرجع الكل يساق الناس إليه شاءوا أم أبوا .