Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 76, Ayat: 1-5)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أيها الذاكر هل أتى عليك حين من الدهر في الذكر كأن لم يكن شيئاً مذكوراً ولم يكن شيئاً مذكوراً ، ولو لم يكن هكذا لن يصح منك الذكر ؛ لأن من خاصية الذكر نسيان غير الحق كما يقول في كتابه { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } [ الكهف : 24 ] ؛ أي : نسيت سوى الرب إما تقرأ كلام الرب حيث يقول : { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } [ الإنسان : 1 ] ، وهذا الحال يظهر على الذاكر الذي يسلك في مرتبة آدم عند غلبة سلطان ذكر الحق على طينة قالبه ، فتلاشى الطين من الطينة الطينية ، وينفذ نور الذكر الحقيقي في أجزاء وجوده وعند مجيء الحق زهوق الباطل ، كما قال في كلامه : { جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } [ الإسراء : 81 ] ، فلما يزهق الباطل يصير اللطيفة مستحقة ؛ لينفخ الروح القدسي الإضافي فيها ، فإذا نفخ فيها صار السالك آدم وقته وإنساناً كاملاً في مرتبة البياض والسواد . { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ } [ الإنسان : 2 ] ؛ أي : من نور نطفة الولاية في هذه المرتبة { أَمْشَاجٍ } [ الإنسان : 2 ] مختلطة بنور النبوة ونور الحق ، ونور الربوبية في رحم الإرادة ، { نَّبْتَلِيهِ } [ الإنسان : 2 ] بالإصدار التي جمعناها جبراً في قالبه ، وأمرناه بمحافظة الأضداد ومخالفة هواهم ، { فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً } متصفاً بصفة سمع الحق { بَصِيراً } [ الإنسان : 2 ] متصفاً بصفة بصره ، { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ } [ الإنسان : 3 ] بعد إعطاء هاتين الصفتين إياه ؛ يعني : سبيل المحق الباطل ، { إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } [ الإنسان : 3 ] نعمتنا وهذه الهداية تمام أمر الابتلاء ، { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ } [ الأنفال : 42 ] . { إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً } [ الإنسان : 4 ] ؛ يعني : هيأنا للكافرين ، فمنها : سلاسل التمني والحرص ؛ بحيث لو كان له واديان من ذهب لابتغى ثالثاً ، ولا يملأ جوفه إلا التراب وأغلال البخل وسعير الحسد ، ويسّرنا لهم كسب السلاسل والأغلال والسعير { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } [ الإنسان : 5 ] ؛ يعني : إن الشاكرين نعمنا يشربون من كأس استعدادهم التي كان مزاجها كافوراً ؛ يعني : طينة الكأس ممن وجه بكافور الجمال صورة والجلال معنى ، والمسك جلالي في الصورة والكافور جمالي في الصورة ، وفي بيان هذا السر لطيفة ، لو بحت بها لاستباح العوام سفك دم ، وإن كان من بطن القرآن فطويت صحيفتها .