Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 21-26)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ } [ الإنسان : 21 ] نصب على الظرف { خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ } [ الإنسان : 21 ] ، صفة الثياب وإشارته إلى قوله : { عَالِيَهُمْ } [ الإنسان : 21 ] إشارة إلى : علو همتهم في الدنيا ، وتركهم للباس الفاخر تذليلاً لأنفسهم ، وتواضعاً لربهم في مقام العبودية ، وإشارة إلى لون الخضرة إشارة إلى حصول حياتهم الطيبة والخضرة لون الحياة ، وهي أحب الألوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ } [ الإنسان : 21 ] ؛ لأنهم ما دنسوا في الدنيا أيديهم بأخذ الحرام والإعطاء بالباطل رياء وسمعة والسؤال من غير الحق ؛ فصارت هذه الصفات لهم أساور في الدار الباقية الأخروية ، { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } [ الإنسان : 21 ] جزاء لا يمدوا أيديهم إلى الخمر الحرام في الدنيا يسقيهم ربهم في العقبى شراب المعرفة طهوراً من الشك والوهم والظن ، فمن شربه لم يبق في قلبه غش وغل وحقد وحسد ؛ يعني : يطهر القلب من هذه الصفات المكدرة ماذا رأيت قلبك اليوم على هذه الصفة ، فبشر نفسك بشرب من شراب الطهور غداً ، ومن لا يلتفت إلى غير الحق في الدنيا ، فيبشر نفسه بأن يسقيه ربه على يد لطفه شراب معرفته { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً } [ الإنسان : 22 ] ؛ أي : جزاء ما عملتم في الدنيا ، { وَكَانَ سَعْيُكُم } [ الإنسان : 22 ] في دار الدنيا { مَّشْكُوراً } [ الإنسان : 22 ] عند الله بأنكم كنتم شاكرين نعمة الله ، فإذا شكرت نعمة الله فاعلم أنك عند الله ، { مَّشْكُوراً } [ الإنسان : 22 ] ، وإن رضيت عنه ، فاعلم أنه راض عنك فانظر قدر الله في قلبك فعلى قدر ذلك يكون قدرك عند الرب ، أيها المسكين الغافل أما تقرأ القرآن ، وأما تعلمه { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } [ الحديد : 4 ] والله أنت الجنة ، وأنت النار ، وأنت الدنيا ، وأنت العقبى ، ومعك ما تشتهي وتتمنى من العقاب والثواب ، ولو لم تقرأ كتابك فما تنفعك قراءة الكتاب ، وسماع الخطاب ، وعتاب رب الأرباب { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ تَنزِيلاً } [ الإنسان : 23 ] ؛ أي : نجماً نجماً ليثبت به فؤادك ، ولو أنزلناه جملة واحدة ما كنت تحمله ، { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } [ الإنسان : 24 ] على الأحكام المحددة النازلة عليك على سبيل الخواطر ، وترك مشتهيات النفس { وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً } [ الإنسان : 24 ] ؛ يعني : لا تطع القوة الآثمة القالبية والقوة الكافرة النفسية في ترك الصبر ، والاشتغال بالشهوات العاجلة ، { وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [ الإنسان : 25 ] ذكر الرب في بكرة الروحانية ، وأصيل الجسمانية بدفع كيد القوة الآثمة الكافرة { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَٱسْجُدْ لَهُ } [ الإنسان : 26 ] ؛ يعني : إذا أسدل ليل النكرة ذيله على وجه نهار المعرفة تواضع للرب { وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً } [ الإنسان : 26 ] ونزهه عن معرفتك له في طول ليل النكرة ؛ لأن ليل النكرة يسدل ذيله على وجه نهار المعرفة حيناً لرؤية المعارف مخوفاً إياه ، ووقتاً لتسكين القلب عند استيلاء أنوار المعرفة بحيث يريد أن يذهب ببصر عقل المعارف إن لم يسدل ليل النكرة ذيله على وجهه ، وفي ليل النكرة للمعارف استراحة وسكون ، وربما يكون لتربية ثمرة المعرفة ، ففي كل حال ينبغي أن يتواضع فيه للرب ، ويسبحه بأمره فسبح .