Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 76, Ayat: 14-20)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا } [ الإنسان : 14 ] ؛ يعني : يرون في الجنة أشجار أعمالهم الصالحة قريبة إليهم ظلالها ، { وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } [ الإنسان : 14 ] أي : سخرت قطوف أثمار المعارف من أشجار الأعمال تسخيراً ، بحيث شاءوا أكلوا منها ، وأينما مشوا مشوا ، { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } [ الإنسان : 15 ] { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا } [ الإنسان : 16 ] ؛ يعني : يطاف عليهم قواهم المطر بآنية نياتهم الثابتة ، مثل القصعة في الصلابة وأكواب استعدادهم الوسيعة الصافية ؛ مثل الزجاج وشبهه بالزجاج ؛ لأن الزجاج يخرج من الحجر ، ويشعل النار تحته ؛ لتحرق أجزاءه الباطلة الكثيفة ، كما كان حال القالب فهو مثل الحجر ، فينبغي أن يشعل صاحبه نار الذكر ؛ ليخرج منه خبائبه وكشائفه حتى يصير آنية صافية لطيفة ، وشبهه بالفضة ؛ ليكون آمناً من الكسر صلابة استعدادهم مثل الفضة ، وصفاؤهم ورقتهم الزجاجة يصف أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه نفس المؤمن أنها أصلب من الصلد وأذل من العبد { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } [ الإنسان : 16 ] ؛ يعني : قدروا كؤوس استعدادهم على قدر رتبتهم تقديراً معيناً لا يزيد على مقدار شربهم ، ولا ينقص عنه فطوبى لاستعداداتهم الغير متناهية ، { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } [ الإنسان : 17 ] ؛ يعني : يسقون أيضاً من كأس استعدادهم الممزوجة بزنجبيل الشوق يسكن زمهرير الحرص والبخل والكسل ، الحال المعنوي { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } [ الإنسان : 18 ] ؛ يعني : يسقون بهذه الكؤوس الممزوجة بنزنجبيل الشوق من العين السلسبيل ، وهو عين خلقه الله تعالى في جنة قالب الإنسان الصافي المزكى عن الحظوظ والأباطيل لها ماء بردة مثل الكافر ، وهو برد العقود وحرارة مثل حرارة الزنجبيل حتى تسكن برد الكافور ، وريحه مثل ريح المسك ، ولا يحصل هذه العين إلا لمن اعتدل مزاجه في الدنيا بترك الحظوظ ، وإعطاء الحقوق إياه والتوجه إلى الحق في كلتا الحالتين ؛ ليحصل من ترك الحظوظ برد الكافور ، ويكسب من إعطاء الحقوق حرارة الزنجبيل ، ويجد من التوجه ريح المسك ، فإن كنت عملت في الدنيا بهذا الذي شرحته لك ، فمن قريب تسقى من عين السلسبيل . { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } [ الإنسان : 19 ] ؛ يعني : منثراً في خدمتك وشبهه باللؤلؤ ؛ لصفاء القوة التي ربّيت في صدف القالب في بحر الدنيا ، وأصل اللؤلؤ وهو القوة المصفاة من قطرة قطرة من سماء الصدر ، كما يقول الله تعالى : { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } [ الإنسان : 19 ] { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } [ الإنسان : 20 ] ، حتى إذا رأيت في جنة قالبك ولدان قواك المصفاة رأيت باقياً خالداً ، وملكاً كبيراً من عندي ، وهذا المقام ينبغي أن يقرأ لا يروي بعد هذا النعيم { وَمُلْكاً كَبِيراً } [ الإنسان : 20 ] ؛ يعني : جمال يتولد ، ويقرأ سكون اللام ليس له معنى غير جمال الرب العظيم إن مشاهدة الرب هي الملك الكبير .