Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 12-16)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ الأنفال : 12 ] أني معكم في تثبيتهم يعني : التثبيت من الله لا من غيره نظيره قوله تعالى : { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ ابراهيم : 27 ] . { سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } [ الأنفال : 12 ] يشير إلى تثبيت المؤمنين ، وإلقاء الرعب في قلوب الكافرين وكل خير وشر منه سبحانه ، قوله تعالى : { فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } [ الأنفال : 12 ] هذا كله وأمثاله منه تعليماً وتقديراً وتيسيراً . { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [ الأنفال : 13 ] أي : إلقاء الرعب في قلوب الكافرين ، وضرب أعناقهم بأنهم شاقوا الله ورسوله أي : خالفوهما وتركوا رضاءهما واتبعوا الهوى . يشير إلى أن كل سعادة وشقاوة تحصل للعبد في الدنيا والآخرة يكون للعبد فيه مدخل بالكسب موجب لذلك ، دل عليه قوله تعالى : { وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [ الأنفال : 13 ] أي : من شدة عقاب أنهم شاقوا الله ورسوله يعني : سبق منهم ما عاقبهم الله بالمشاقة . { ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ } [ الأنفال : 14 ] أي : ذوقوا العاجل منه صورة ومعنى ، أما صورة : فبالقتل والأسر والمصائب والمكروهات ، وأما معنى : فبالبعد والطرد عن الحضرة ، وتراكم الحجب ، وموت القلب ، وعمى البصيرة ، وضعف الروح ، وقوة النفس ، واستيلاء صفاتها وغلبة هواها وما يبعده عن الحق ويقربه إلى الباطل ، { وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ } [ الأنفال : 14 ] في الآخرة ، { عَذَابَ ٱلنَّارِ } [ الأنفال : 14 ] عذاب نار القطيعة والحرمان . ثم أخبر عن آداب القتال مع الكفار بقوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } [ الأنفال : 15 ] الإشارة فيها : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } القلوب المؤمنة ، { إِذَا لَقِيتُمُ } كفار النفوس وصفاتها ، { فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } أي : لا تنهزموا من سطوات النفوس وغلبات صفاتها فتقعوا عن صراط مستقيم الطلب ، وتستولي النفوس ، وتنكسر القلوب وتضمحل صفاتها عند استيلاء صفات النفوس فتهلك القلوب ، بل اثبتوا بالصبر عند صدمات النفوس فإن الصبر عند الصدمة الأولى ، { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } [ الأنفال : 16 ] ومن ينهزم من القلوب عن النفوس يوم استيلائها وغلبات صفاتها . { إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ } [ الأنفال : 16 ] يعني : إلا قلباً ينحرف لتهيئوا أسباب القتال مع النفس ، أو راجعاً إلى الاستمداد من الروح وصفاته ، أو إلى ولاية الشيخ يستمد منها ، أو إلى الحضرة الربانية مستمداً في قمع النفس وقهرها بطريق المجاهدة والرياضة ؛ لتنكسر غلبات صفات النفس ، وتنطفئ ثورتها فيظهر شواهدها القلوب فيها بالتقوى ، فإن المجاهدات تورث المشاهدات ، وأمَّا { فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ } [ الأنفال : 16 ] يعني : بطرد وإبعاد منه ، { وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ } [ الأنفال : 16 ] البعد عن الحضرة ونار القطيعة ، { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [ الأنفال : 16 ] أي : بئس المرجع والميعاد .