Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 17-21)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم أخبر عن إحسانه مع أهل الإيمان والعرفان بقوله تعالى : { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ } [ الأنفال : 17 ] نفى عن الصحابة القتل بالكلية ، وأحال القتل إلى نفسه تعالى بقوله : { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ } ؛ لأنه تعالى كان مسبب أسباب القتل من إمداد الملائكة ، وإلقاء الرعب في قلوب الكفار ، وتقوية قلوب المؤمنين بتثبيت أقدامهم ، وإذهاب رجز الشيطان عنهم ، وربط الصبر على قلوبهم ، فالفعل يحال إلى السبب والمسبب كقولهم : القلم يكتب مليحاً ، وهو السبب ، والكاتب يكتب مليحاً ، وهو المسبب للكتابة . وقال تعالى : { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } [ الأنفال : 17 ] نفى الرمي عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : { وَمَا رَمَيْتَ } [ الأنفال : 17 ] ثم أثبت له الرمي بقوله : إذ رميت ، ثم نفى عنه بقوله : { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } أثبت الرمي لنفسه تعالى ، والفرق فيما بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الصاحبة نفي القتل عن الصحابة بالكلية ، وأحاله إلى نفسه تعالى فجعلهم سبباً للقتل وهو المسبب ، وهاهنا ما نفى الرمي عن النبي صلى الله عليه وسلم بالكلية ؛ بل أسند إليه الرمي ولكن نفى وجوده بالكلية في الرمي وأثبته لنفسه ، وما رميت بك إذ رميت ولكن رميت بالله وذلك في مقام التجلي ، فإذا تجلى الله لعبد بصفة من صفاته يظهر على العبد منه فعل يناسب تلك الصفة كما كان من حال عيسى عليه السلام ، فلما تجلى له بصفات الإحياء كان يحيي الموتى بإذنه أي : به ، وهذا كقوله تعالى : " كنت له سمعاً وبصراً … " الحديث ، فلما تجلى للنبي صلى الله عليه وسلم بصفة القدرة كان يرمي به حين رمى وكان يده يد الله في ذلك لمَّا كشف الغطاء عن هذه الحقيقة في قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } [ الفتح : 10 ] . ثم أخبر الله تعالى : { وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً } [ الأنفال : 17 ] أي : لينعم عليهم مما جرى على النبي صلى الله عليه وسلم من إظهار القدرة بالرمي بأن يهديهم إلى هذا المقام الكريم ، فيجتهدوا في متابعته إلى أن يبلغوا هذا المقام إذ لهم في رسول الله أسوة حسنة ، { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } [ الأنفال : 17 ] أي : مجيب لدعائهم عند طلب هذا المقام ، { عَلِيمٌ } [ الأنفال : 17 ] بنياتهم فيما يطلبون منه . { ذٰلِكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ } [ الأنفال : 18 ] أي : ذلك الإبلاء مما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم بالله وقدرته ؛ ليعلموا أن الله مضعف مبطل يد كفار النفوس واستيلاء صفاتها بالتجلي ، ثم قال تعالى : { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ } [ الأنفال : 19 ] أي : إن تفتحوا قلوبكم بمفتاح الصدق والإخلاص وترك ما سوى الله في طلب التجلي فقد جاءكم الفتح بالتجلي ، فإن الله متجل في ذاته أزلاً وأبداً فلا تغير له وإنما التغير في أحوال الخلق ، فإنهم عند انغلاق أبواب قلوبهم إلى الله محرومون عن التجلي وعند انفتاح أبوابها محظوظون به ، ثم قال تعالى : { وَإِن تَنتَهُواْ } [ الأنفال : 19 ] أي : عن غير الله في طلب الله ، { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ الأنفال : 19 ] من سواه ، { وَإِن تَعُودُواْ } [ الأنفال : 19 ] إلى الدنيا وطلب لذاتها وشهواتها وزخارفها وإلى ما سوى الله ، { نَعُدْ } [ الأنفال : 19 ] إلى خذلانكم ونكفكم إلى أنفسكم وهواها ودواعيها وغلبات صفاتها . { وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً } [ الأنفال : 19 ] أي : لا تقوم لكم الدنيا والآخرة وما فيها مقام شيء من مواهب الله وألطافه ، { وَلَوْ كَثُرَتْ } [ الأنفال : 19 ] يعني : وإن كثرت نعم الله تعالى من الدنيوية والأخروية فلا توازي شيئاً مما أنعم الله على أهل الله وخاصته ، { وَأَنَّ ٱللَّهَ } [ الأنفال : 19 ] بأصناف ألطافه ، { مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الأنفال : 19 ] بهذه المقامات وطالبها ؛ ليبلغهم إليها بفضله ورحمته لا بحولهم وقوتهم . ثم أخبر عن طريق الوصول إلى هذه الأصول بقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } [ الأنفال : 20 ] إلى قوله : { مُّعْرِضُونَ } [ الأنفال : 23 ] الإشارة فيها : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } الإيمان الحقيقي لا الإيمان التقليدي ، { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ } [ الأنفال : 20 ] فيما يدعوكم إلى حضرة جلاله ، { وَرَسُولَهُ } [ الأنفال : 20 ] أي : أطيعوا رسوله الذي أرسله إليكم ؛ ليكون داعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، ولتهتدوا بنور نبوته في متابعته إلى حضرة جلاله ، { وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ } [ الأنفال : 20 ] ولا تعرضوا عن الرسول ومتابعته لكيلا تنقطعوا عن الله وتهلكوا في ظلمات البشرية ، { وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } [ الأنفال : 20 ] { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } [ الأنفال : 21 ] بآذان القلوب .