Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 27-30)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ الأنفال : 27 ] أي : أيها الأرواح والقلوب المنورة بنور الإيمان المستعدة بسعادة العرفان . { لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ } [ الأنفال : 27 ] فيما أتاكم من المواهب فتجعلوها سبيكة الدنيا واصطياد أهلها ، { وَٱلرَّسُولَ } [ الأنفال : 27 ] فخيانة الرسول ترك السنة وقيام البدعة ، { وَتَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ } [ الأنفال : 27 ] والأمانة : هي محبة الله تعالى ، وخيانتها بتبديلها بمحبة المخلوقات ، يشير إلى أن أرباب القلوب وأصحاب السلوك إذا بلغوا إلى أعلى مراتب المقامات والقربات ثم التفتوا إلى شيء من الدنيا وزينتها ، وخانوا الله بنوع من التصنع ، وخانوا الرسول بالتبدع وترك التتبع ، وتتعدى الخيانة وآفاتها إلى الأمانة التي هي المحبة ، فتسلب عنهم بالتدريج فيكون ركونهم إلى الدنيا وسكونهم إلى جمع المال حرصاً على الأولاد ، { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ الأنفال : 27 ] أنكم تبيعون الدين بالدنيا والمولى بالأولى ، { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ } [ الأنفال : 28 ] تعرضون على الله لها ، { فِتْنَةٌ } [ الأنفال : 28 ] لها فتنة يحيركم الله بها لكي يميز الموافق من المنافق والصديق من الزنديق ، فمن يعرض عن الدنيا وما فيها صدقاً في طلب المولى ، { وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [ الأنفال : 28 ] فمن ترك ما عنده في طلب ما عند الله يجده عنده وعنده أجر عظيم ، والعظيم هو الله على تحقيقه فيجد الله تبارك وتعالى . ثم أكد الكلام بقوله تعالى : { يِٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ } [ الأنفال : 29 ] أي : يا من آمن بهذه المقامات والكرامات إن تتقوا بالله من غير الله ، { يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً } [ الأنفال : 29 ] يفيض عليكم من يحال نواله فيضاً من أنوار جماله القديم ، فيفرق به بين الحدوث والقدم وهذا أمر عظيم لا تحتمله العقول المشوبة بآفة الوهم والخيال ، { وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } [ الأنفال : 29 ] سيئات وجودكم الفاني ، { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } [ الأنفال : 29 ] أي : يستركم بأنوار جماله وجلاله ، { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } [ الأنفال : 29 ] لمن يجاوز عما عنده راغباً فيه عند الله ، والفضل العظيم هو البقاء بعد الفناء . ثم أخبر عن حال الماكرين الممكورين بقوله تعالى : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ الأنفال : 30 ] إلى قوله : { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } [ الأنفال : 35 ] الإشارة فيها : أن للمخلوق مكرين : مكر بخلق الحيلة والعجز ، ومكر الخالق من القدرة والحكمة ، فمكر الخلق مع مكر الخالق باطل زاهق ؛ لأن مكر الخالق حق ثابت ، كما قال تعالى : { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ } [ الأنفال : 30 ] لأن مكره بالخير لمحمد صلى الله عليه وسلم ودفع الشر عنه ومكر الكفار بالشر له ؛ وأيضاً لأن مكره مع أهل المكر والخذلان ومكرهم مع أهل الحق العرفان ؛ وأيضاً لأن مكره لإصلاح حال أهل الصلاح وإفساد حال أهل الفساد ، ومكرهم لإفساد حال الصلاح وإصلاح حال أهل الفساد ، وذلك الإصلاح يؤدي إلى فساد حال الماكرين وحال من يريدون به الصلاح لقوله تعالى : { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } [ فاطر : 43 ] .