Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 22-26)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ } [ الأنفال : 22 ] أي : شر من دب في الوجود ، { عِندَ ٱللَّهِ } [ الأنفال : 22 ] في مراتب الموجودات ، { ٱلصُّمُّ } [ الأنفال : 22 ] عن استماع كلام الحق بسمع القبول والقلوب ، { ٱلْبُكْمُ } [ الأنفال : 22 ] عن كلام الحق والكلام مع الحق ، وإنما خص الصم والبكم بالذكر ؛ لأن الأصم لا بدَّ وأن يكون أبكم . { ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } [ الأنفال : 22 ] أي : لا يعلمون لماذا خلقوا وما لهم من الاستعداد في طلب الكمال وانصرافهم في إفساد الاستعداد ، فاعلم أن الإنسان خلق في أحسن تقويم قابلاً للتربية والترقي مستعداً للكمال لا يبلغه الملك والقرب في بدء الخلقة دون الملك وفوق الحيوان ، فبتربيته الشريعة يصير فوق الملك فيكون خير البرية وبمخالفة الشريعة ومتابعة الهوى يصير دون الحيوان فيكون شر البرية فيؤول حال من يكون خيراً من الملك إلى أن يكون شر الدواب . ثم قال تعالى : { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ } [ الأنفال : 23 ] كلامه بسمع القبول ، { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ } [ الأنفال : 23 ] بسمع القلوب قدرة عند عدم استحقاق الخيرية ، { لَتَوَلَّواْ } [ الأنفال : 23 ] عن متابعة الرسول في أثناء السلوك ، { وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } [ الأنفال : 23 ] عن الله وطلبه ومقبلون على الدنيا وزخارفها لما قدرهم من الشقاوة وخصوصية شر الدوابية . ثم أخبر عمن أودع له استحقاق الخير في استجابة الله ورسوله من البرية بقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } [ الأنفال : 24 ] إلى قوله : { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [ الأنفال : 25 ] الإشارة فيها : أن الله تعالى يطلب للحجة من العبد الإجابة ، كما يطلب العبد للحاجة منه الإجابة ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ } والاستجابة لله استجابة الأرواح للشهود ، واستجابة القلوب للشواهد ، وإجابة الأسرار للمشاهدة ، وإجابة الخفي للفناء في الله ، والاستجابة للرسول بالمتابعة ، { إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } [ الأنفال : 24 ] بنور الله ؛ يعني : يفنيكم عنكم ويبقيكم به ، { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } [ الأنفال : 24 ] يعني : إذا تجلى الله على قلب المرء يحول بسطوات أنوار جماله وجلاله بين مرآة قلبه وظلمة أوصاف قالبه ، { وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } [ الأنفال : 24 ] بالفناء عنكم والبقاء به . ثم قال تعالى : { وَٱتَّقُواْ } [ الأنفال : 25 ] أيها الواصلون ، { فِتْنَةً } [ الأنفال : 25 ] يعني : أن ابتلاء النفوس بشيء من حظوظها من الدنيوية والأخروية ، { لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } [ الأنفال : 25 ] يعني : لا تصيب تلك الفتنة النفوس الظالمة فقط ؛ بل تصيب ظلمتها الأرواح النورانية والقلوب الربانية ، فتجذبها من حضائر القدس ورياض الأنس إلى خصائص صفات الإنس ، كما قال تعالى : { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 182 ] ، { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } [ الأنفال : 25 ] فيما يعاقب الواصلين بالانقطاع والاستدراج عند التفاوت إلى ما سواه . ثم أخبر عن الذاكرين الشاكرين بقوله تعالى : { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ } [ الأنفال : 26 ] إلى قوله : { وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ } [ الأنفال : 29 ] والإشارة فيها : { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ } أيها الروح والقلب ، { قَلِيلٌ } ثم تنشأ بعد ذلك الصفات والأخلاق الروحانية ، { مُّسْتَضْعَفُونَ } من غلبات صفات النفس وهواها واستيلاء الشيطان وحزبه ؛ وذلك لأن الروح والقلب في بدء الخلقة وتعلقهما بالقالب ، وكذا صفاتهما مستضعفون لأعوان التربية بلبان آداب الطريقة ، وانعدام جريان أحكام الشريعة عليهم إلى إذان البلوغ والتربية في هذه المدة للنفس وصفاتها لاستحكام القالب بحمل أعباء تكاليف الشريعة ، وهما أعني : الروح والقلب ، { تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَآوَاكُمْ } [ الأنفال : 26 ] إلى حضائر القدس . { وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ } [ الأنفال : 26 ] بالواردات الربانية ، { وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } [ الأنفال : 26 ] من المواهب الظاهرة من لوث الحدوث ، { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ الأنفال : 26 ] فتستحقون المزيد .