Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 82, Ayat: 9-19)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ } [ الانفطار : 9 - 10 ] حقاً أنهم يكذبون بيوم الجزاء ؛ لأجل هذا يعملون الفساد ويرجون من الله الثواب ، ولو أنكم تصدقون بيوم الحساب ما كنتم متورطين في المخالفات ، وحفظتنا للتي كانت رقباؤكم يحفظون أعمالكم ويشهدون ما تفعلون { كِرَاماً كَاتِبِينَ } [ الانفطار : 11 ] يكتبون ما تكسبون { يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [ الانفطار : 12 ] يمهلونكم لتزدادوا إثماً ؛ لأنا كتبنا في الكتاب القديم { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [ الانفطار : 13 - 14 ] ؛ لأن بذور البر إذا زرعت خرجت النعيم ، وبذور الفجور إذا زرعت أبرزت الجحيم ، وإنكم اليوم في الزراعة لأن الدنيا مزرعة الآخرة ، وغداً في الحصاد فكل أحد يحصد ما يزرع ، فالعجب من العاقل أنه يزرع الشوك ويرجو الرطب فليس هذا الغرور إلا من إلقاء الغرور ، فاحذر منه وأزرع في مزرعتك خيراً تحصد رغبته ولا تزرع شراً لئلا تحصد ندامته ، { يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ ٱلدِّينِ } [ الانفطار : 15 ] ؛ يعني : الفجار في جحيم عمروها منذ عاشوا في الدنيا ، { وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ } [ الانفطار : 16 ] ؛ يعني : الفجار ما كانوا عن الجحيم بغائبين معهم يعمرونها ولكن كانوا محجوبين ؛ لكثافة جحيمهم وعمى أبصارهم المريضة ، فسل محبة الدنيا وظفرة الهوى ، { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } [ الانفطار : 17 ] ثم كرر معظماً لذلك اليوم ويقول : { ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } [ الانفطار : 18 ] ؛ يعني : أخذ عنهم الاختيار الوهبي الذي أعطاهم الله ؛ ليبلوهم أيهم أحسن عملاً بذلك الاختيار الوهبي نسوا الله واليوم الآخر ، وحصلوا مشتهيات أنفسهم على وفق هواهم ، ويملكون بعضهم و { يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [ الكهف : 104 ] بغلبتهم على الآخرين وباستيفاء حظوظهم من الدين { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [ الانفطار : 19 ] اليوم أيضاً لله ، ولكنهم سبب اختيارهم الذي أعطاهم الله محجبون عن المختار الحقيقي الوهاب لكل أحد اختياره ، فإذا نزع عنهم الاستعداد وأخذ الاختيار فعرفوا في ذلك الوقت أن ليس لهم اختيار ، ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً ، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً . وأقروا أن الأمر بيد الله وهو المريد المختار الفعال لما يريد ولا ينفعهم في ذلك الوقت الإقرار ، فالواجب عليك أيها السالك ، أن تجتهد في أن تشاهد اليوم اختياره واضطرارك ، وتعلم أن الأمر كله بيد الله يبطش ويأخذ ، ويعطي ويمنع ، ويحيي ويميت ، يرفع أقواماً ويضع آخرين ، يعز من يشاء ويذل من يشاء ، ويحكم ما يريد ، وتلتجئ إلى حضرته بالتمسك والعجز ليرحمك إن شاء الله ، ولا يمكن هذا إلا بترك اختيارك وتسليمك إلى شيخك ؛ ليوصلك إلى الاختيارية الحقيقية إن شاء الله ، ولأجل هذا السر يحتاج إلى بشر مثلك ؛ لينذرك ويبشرك ويهديك إلى ربك ، ولأجل هذا [ تُلِي على ] زبدة الكائنات عليه أزكى التحيات وأزكى الصلوات بقوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } [ الكهف : 110 ] وهذا سنة سنها الله تعالى ولن تجد لسنته تبديلاً ، من يرد أن يصل إلى الله ؛ فليلذ بأذيال متابعة حبيبه ، ومن يرد أن يصل إلى حبيبه فليعتصم بحبل ولايته ويشاهد ولايته ، فليترك اختياره وإرادته وإلا فلا يلعب بالتوراة إن لم يكن يهودياً صرفاً ، والله إن منادي الحق ينادي دائماً من الصباح إلى الرواح { وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [ الانفطار : 19 ] ، و { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] ، ولكن صماخك مسدول بقطن الغفلة لا يسمع النداء ، وعينك بحب الدنيا رمداً لا تبصر هلاك الأشياء وبقاء وجهه ، فاسمع نصيحتي وداوي نفسك المريضة ، ووقر صماخك ، ورمد عينك ؛ لترى وتسمع ما يرى ويسمع أهل الحق ، وتجدون ذوق المشاهدة والمكالمة في السماع والذكر نقداً ويرجون أضعاف أضعاف ما يجدون غداً . اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .