Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 85, Ayat: 1-10)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
سورة يا شاهد شاهد الحق ، ويا شهود مشهودك ، ويا مشهود شاهدك تبين لك في اليوم الموعود ، وحقيقة الشاهد والمشهود ، واعلم أن الله تعالى خلق لوح العقل وكتب عليه كل شيء أراد إظهاره في الوقت المقدر والأجل المعلوم المعين ؛ وهو أول خلق خلقه في مقام القلبية وجعل له مظهراً في العالم الجسماني ؛ وهو سماء الدنيا التي زينها الله بمصابيح النجوم والبروج ، ورتب عليها أمور عالم الكون الفاسد الذي هو المسمى بالدنيا ؛ وهي سماء صدرك في عالم الأنفس وأقسم بها في كتابه وقال : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } [ البروج : 1 ] ؛ أي : بحق الوديعة التي أودعت في قابليتها بصفة ربوبيتي ، { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ } [ البروج : 2 ] ؛ أي : بالسر الذي أظهره في اليوم الموعود ، وهو إذا دخل نجوم كل برزخ آخر وتتبدل الأشكال التي أظهرناها على ذلك الثوب الذي سميته ذات البروج والسماء الدنيا ، فبعد التبديل يظهر السر الذي أودعه الله في اليوم الموعود وهو يوم القيامة . { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } [ البروج : 3 ] ؛ أي : بحق اللطيفة الكاملة الأنانية المستحقة المرائية ، والعكس الذي ظهر في المرآة من جمال الشاهد ، فالمرآة مشهودة لجمال الشاهد ، والشاهد هو الله ، والمشهود مرآة ، فإذا صارت المرآة واحدة عكس الجمال تصير مشاهدة والجمال يكون مشهوداً وهذا سر مخصوص بمرآة بني آدم ، ولأجل هذا صار أشرف الخلائق وأكرمهم عند خالقه حتى أمر الملائكة بسجوده ، وفي تحقيقه أسرار تتعلق بحد القرآن ولا رخصة في إظهارها إلا في بسم الله الرحمن الرحيم ، فإني مرخص أن أبين حده ومأذون في بيان مطلع النقطة الواقعة تحت الباء التي في أول البسملة ، فإن ساعدني القدر وأخرني الأجل كتبتُ بعد الفراغ في تفسير بطن القرآن حد البسملة ومطلع نقطة الباء إن شاء الله تعالى . { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ * ٱلنَّارِ } [ البروج : 4 - 5 ] جواب القسم ؛ يعني : أن أصحاب اللطيفة النفسية المكذبة للطيفتها ، المنذرة الداعية إلى ربهم ، والمنكرة لها بعد اطلاعها على الآيات البينات الأنفسية الملكوتية ، لعنوا وطردوا وأُبعدوا من رحمة الله تعالى بإنكارهم الآيات البينات وتكذيبهم اللطيفة في دعوتها لهم إلى خالق السماوات ، الذين اشتعلوا بنيران الغضب والبغض في أخاديد وجودهم ؛ ليحرقوا اللطيفة الداعية لهم إلى الحق فتخرج النار الموقدة من شفير أخاديدهم عناصر وأحرقتهم كقوله تعالى : { ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ } [ البروج : 5 ] ؛ وهي بدل الأخدود . { إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ } [ البروج : 6 ] ؛ يعني : أصحاب الأخدود كانوا على شفير أخاديد لهم قاعدين لتعذيبهم اللطيفة الداعية والقوى المؤمنة بها ، { وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } [ البروج : 7 ] ؛ يعني : النفس الأمارة وقواها الكافرة كانوا حاضرين فلما شاهدوا خروج النار من شفير الأخدود ، وإحراق الكافرين ونجاة المؤمنين منها ، ندموا وما نفعهم الندم بعد نزول البلاء وظهور الآيات ، { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ * ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [ البروج : 8 - 9 ] ؛ يعني : ما كرهوا الإيمان وما عابوا المؤمنين وما تبينوا إلا أن يؤمنوا بالله الغالب على أمره { ٱلْحَمِيدِ } المحمود بكل موجود عين لسانه ، الذي يسبح به خالقه { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } ؛ يعني : بحكمة النار والريح أمر الريح ؛ ليخرج النار من قعر الأخدود وإحراق الكافرين الذين كانوا على شفير الأخدود ، وأنجى المؤمنين الذين كانوا في قعر الأخدود ، { وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } ؛ يعني : حاضراً معهم شاهداً لأحوالهم ، ماكرا بالذين مكروا بالمؤمنين . { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } [ البروج : 10 ] ؛ أي : عذبوا وأرادوا أن يحرقوهم { ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ } [ البروج : 10 ] ولهم ؛ أي : عذاب الأجل بكفرهم وإصرارهم على الكفر بعد اطلاعهم على الآيات البينات { وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ } [ البروج : 10 ] ؛ أي : العذاب الأجل بنصرة عدوهم عليهم ؛ وتسلط القوى المؤمنة على القوى الكافرة ، وتذليلهم وأسرهم .