Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 1-4)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { بَرَآءَةٌ } [ التوبة : 1 ] إلى قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ التوبة : 4 ] . الإشارة فيها : فاعلم أن الحكمة ترك كتابة { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } في أول السورة براءة ، وكتابتها في سورة النمل ؛ ليعلم أنها آية مكررة في القرآن ، وأنها أكثر مما أنزلت في أوائل السور ؛ لتكون فاصلة بين السورتين ، ولتكون كل سورة متوجة بتاج اسم الله تعالى وصفة جماله وجلاله ، فحيث نزلت كتبت ، وحيث لم تنزل لم تكتب ، فلما لم تنزل في أول براءة ما كتبت في أولها ونزلت في أول النمل وفي أثنائها كتبت في الموضعين جميعاً . { بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ التوبة : 1 ] يشير إلى أن النفوس المتمردة المشركة التي اتخذت الهوى إلهاً وتعبدت صنم الدنيا فهادها الروح والقلب في أوان الطفولية ، وعاهدها على ألا يجاهداها ولا يقاتلاها إلى حد البلوغ ، وهي أيضاً لا تتعرض لهما لاستكمال القالب واستواء القوى البشرية التي بها يتحمل حمل الأمانة ، واعياً لأركان الشريعة وظهور كمال العقل الذي يستعد لقبول الدعوة وإجابتها ، وبه يعرف الرسل ومعجزاتهم ، وبه يثبت الصانع ويرى تعبده واجباً لأداء شكر نعمه ، وإن الله ورسوله بريء من تلك المعاهدة بعد البلوغ ، فإنه وإن نقض عهد النفوس مع القلوب والأرواح ؛ لأن النفس قبل البلوغ كانت تتصرف في المأكول والمشروب والملبوس ؛ لتربية القالب ودفع الحاجة الماسة غالباً وذلك لم يكن فقراً جداً للقلب والروح ، فأمَّا البلوغ فزاد في تلك التربية بالمأكول والمشروب والملبوس الضروري الشهوة ، ولمَّا ظهرت الشهوة شملت آفتها المأكول والمشروب والنكوح واشتعلت نيرانها وأشعلت يوماً بيوم وفيها مرض القلب والروح وبعثت الأنبياء ولدفع هذا المرض وعلاجه ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " بعثت لرفع العادات وترك الشهوات " . وفي قوله تعالى : { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } [ التوبة : 2 ] إشارة إلى أن للنفوس في أرض البشرية سيراً وساحة لتكميل الأوصاف الأربعة النباتية والحيوانية والشيطانية والإنسانية التي تتولد بازدواج الروح العلوي النوراني المفرد والقالب السفلي الظلماني المركب من العناصر الأربعة ، فالنباتية : تولد الماء ، والحيوانية : تولد الريح ، والشيطانية : تولد النار ، والإنسانية : تولد التراب . فلتكتمل هذه الصفات أرخيت أزمة النفوس في مراتع الدنيا ونعيمها إلى البلاغة ثم قال : { وَٱعْلَمُوۤاْ } [ التوبة : 2 ] يعني : نفوس أهل السعادة { أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ } [ التوبة : 2 ] أي : لا تعجزونه أن ينزعكم عن المراتع الدنيوية ويمتعكم بالمنافع الأخروية { وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ } [ التوبة : 2 ] يعني : مهلك أهل الشقاوة في تيه الغفلات والشهوات ، { وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [ التوبة : 3 ] أي : أعلام وأخيار منهما . { إِلَى ٱلنَّاسِ } [ التوبة : 3 ] أي : إلى الصفات الناسوتية ، { يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ } [ التوبة : 3 ] يوم الوصول إلى كعبة الوصال والحج الأكبر يوم الوصول إلى كعبة القلب ، { أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } [ التوبة : 3 ] يشير إلى أن زيارة كعبة الوصال وطوافها حرام على مشركي الصفات الناسوتية ؛ لأنها تميل إلى غير الله ، وتركن إلى ما سواه فلا تطوف الناسوتية حول كعبة اللاهوتية إلا بعد فنائها فيها ، { فَإِن تُبْتُمْ } [ التوبة : 3 ] على الناسوتية بإفنائها في اللاهوتية . { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } يشير إلى أن قيامكم بالله خير لكم من قيامكم بالناسوت ، { وَإِن تَوَلَّيْتُمْ } عن الله وركنتم إلى غيره ، { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ } أي : لا تعجزونه عن التصرف فيكم ، أمَّا لأهل السعادة فبالجذبات الإلهية يفنيكم عنكم ويبقيكم به ، وأمَّا لأهل الشقاوة فبالطرد والتعذيب بألم الفراق ونار القطيعة ، كما قال تعالى : { وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ التوبة : 3 ] أي : تولوا وأعرضوا عنا ، { بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ التوبة : 3 ] . { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ التوبة : 4 ] يشير إلى أن النفوس المشركة بأنها من مع ميلها إلى غير الله عاهدت مع القلوب على أن توافقهم في العبودية وتحمل أحباء الشريعة ، { ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً } [ التوبة : 4 ] من شرائط العبودية ، { وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً } [ التوبة : 4 ] أي : لم يعاونوا عليكم أعداءكم من الشيطان والدنيا وزخارفها ولم يتابعوا الهوى وتداركوا العهد بالوفاء تجانباً عن الجفاء ، { فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ } [ التوبة : 4 ] بالمدارة والرفق ، { إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ } [ التوبة : 4 ] إلى أوان طلوع شمس سعادتهم عن أفق العناية ، فإن لكل أجل كتاب فتداركهم العناية الأزلية بخطاب { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ * ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } [ الفجر : 27 - 28 ] إمَّا في حال الحياة ، وإمَّا في وقت الوفاة ، { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ التوبة : 4 ] الذين يتقون به عما سواه .