Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 5-8)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن حال المشركين وقتلهم بقوله تعالى : { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ } إلى قوله : { يَنتَهُونَ } [ التوبة : 12 ] . الإشارة فيه قوله تعالى : { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ } يشير إلى استكمال الأوصاف الأربعة التي بها قوام الإنسان من النباتية والحيوانية والشيطانية كما مرَّ ذكرها في الآيات المتقدمة ؛ يعني : مهما كملت النفس هذه الصفات بها تصير مشركة ؛ لأن بهذه الأوصاف تميل إلى الدنيا وزخارفها وتعبد الهوى والشيطان ، { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي : النفوس المشركة بسيف الصدق وقتلها في نهيها عن هواها ومنعها عن مشتهاها واستعمالها على خلاف طبعها وضد طبيعتها . { حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] يعني : في الطاعة والمعصية ، فقتلها في الطاعة بملازمتها ومداومتها عليها ، وفي المعصية بنظافتها عن مشاربها فيها وإعجابها بها وتحصيلها إياها ، { وَخُذُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] بآداب الطريقة ، { وَٱحْصُرُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] والجأوهم إلى حصار الحقيقة . { وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } [ التوبة : 5 ] يشير إلى مراقبة أحوال النفوس وشد طرف خيلها ، أي : ارقبوا مقرها ومهربها ، { فَإِن تَابُواْ } [ التوبة : 5 ] رجعوا إلى الله ورجعت النفوس عن هواها إلى طلب الحق تعالى ، { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ } [ التوبة : 5 ] أي : داومت على العبودية والتوجه الحق ، { وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ } [ التوبة : 5 ] عن أوصافها الذميمة ، { فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } [ التوبة : 5 ] عن مفلسات الشدائد بالرياضات والمجاهدات ؛ ليعملوا بالشريعة بعد الوصول إلى الحقيقة ، فإن النهاية هي الرجوع إلى البداية ، { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } [ التوبة : 5 ] يستر بصفاته الراجعين إليه ، { رَّحِيمٌ } [ التوبة : 5 ] بإقباله إليهم لحصولهم لديه . { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ التوبة : 6 ] يعني : من مشركي النفوس يشير إلى إحدى صفات النفوس ، { ٱسْتَجَارَكَ } [ التوبة : 6 ] بالقلب يعني : بعض صفات النفس إن مال إلى جوار القلب ، ويرغب في نوع من العبودية وترك ما هو المخصوص به من الصفات الذميمة ، { فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } [ التوبة : 6 ] حتى يلهم بإلهام الله ويميز به الفجور والتقوى ، فتتزكى عن الفجور وتتحلى بالتقوى ، { ثُمَّ أَبْلِغْهُ } [ التوبة : 6 ] بالإخلاص والاجتهاد ، { مَأْمَنَهُ } [ التوبة : 6 ] وهو دار الجذبة الإلهية ، وإن الجذبة إذا تعلقت بصفة من صفات النفس تنجذب النفس بجميع صفاتها من سطوة جذبة الحق ، فإن بطش ربك لشديد ، { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ } [ التوبة : 6 ] يعني : النفس وصفاتها ، { قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ } [ التوبة : 6 ] الله والطاعة فلا يقبلون إليه ويعلمون الدنيا وشهواتها فيرغبون إليها . { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ } [ التوبة : 7 ] يشير إلى مشركي النفوس كيف يكون ، إمَّا ثبات على العهد الذي عاهدت الله تعالى يوم الميثاق على أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً من الدنيا والآخرة ، وذلك أن النفس ما دامت حية باقية على صفاتها الذميمة غير المبدلة بالحميدة ، ولا يمكنها العبودية الخالصة من قرب الطمع في المقاصد الدنيوية والأخروية ؛ لأنها خلقت من السفليات وجبلت ميالة إلى الدنيا وشهواتها ولذاتها بالطبع وإن صقل الطبع الطمع بالتزكية عنها وآل إلى الصلاح أمرها وتخلقت بالأخلاق الروحانية ، فحينئذٍ تميل من الشهوات الدنيوية الفانية إلى شهوات نعيم الجنة الباقية كقوله تعالى : { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ } [ الزخرف : 71 ] . { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } التوبة : 7 ] وهو مقام الوصول الذي حرام على أهل الدنيا والآخرة وهو مقام أهل الله خاصة ، فإن النفس إذا تنورت بالأنوار المنعكسة من تجلي صفات الجلال والجمال لمرآة القلب تفنى عن أوصافها المخلوقية وتبقى بالأنوار الخالقية ، فيثبتها الله على العهد بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة محفوظة عن خصائصها ، { فَمَا ٱسْتَقَامُواْ لَكُمْ } [ التوبة : 7 ] عن الصراط المستقيم فتصهر بالدين القويم ، { فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ } [ التوبة : 7 ] على مهادنة النفوس من ترك جهادها بشدائد فتك الطريقة وسَرح في رياض متسع الشريعة ، { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } [ التوبة : 7 ] أي : النفوس المتقية بالله عمَّا سواه . ثم أخبر عن خصوصية النفوس ، وإنها لا تصلح للثبات على الاستقامة ، وأنها غير مأمونة عنها فقال : { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ } [ التوبة : 8 ] إلى قوله : { لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } [ التوبة : 12 ] يشير إلى أن النفس في جميع الأحوال مترقبة للظفر بالقلب والروح ، { لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً } [ التوبة : 8 ] أي : لا يحفظوا فيكم حقوق الجنسية ، فإن الخليقة بعضها من بعض الأرواح والقلوب والنفوس والأصدقاء بالعهد ، فإنها مجبولة على الجفاء ونقض العهود ، { يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ } [ التوبة : 8 ] بالأعمال الظاهرة ، { وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ } [ التوبة : 8 ] طبيعتهم وجبلتهم اختياراً ما يرضونكم به اضطراراً ، { وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } [ التوبة : 8 ] فيما يعملون للرياء والنفاق خارجون عن الصدق والإخلاص .