Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 25-29)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن كرم الخالقية وكرم المخلوقية بقوله تعالى : { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ } [ التوبة : 25 ] إلى قوله : { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة : 27 ] ، { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ } أي : نصركم الله في جهاد النفوس الذي هو الجهاد الأكبر بالظفر عليها في مقامات كثيرة ، { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } [ التوبة : 25 ] فيه إشارة إلى تحنين القلوب شوقاً إلى ربها وحنن حنين قلوبكم إلى اللقاء حسبتم أنكم تبلغون بكثرة الطاعات ، وتنالونه بمجرد الأعمال وهو قوله تعالى : { إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ } [ التوبة : 25 ] يشير إلى كثرة الطاعات ، { فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ } [ التوبة : 25 ] كثرتها ، { شَيْئاً } [ التوبة : 25 ] فما حسنت قلوبهم إليه ، { وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ } [ التوبة : 25 ] أرض الوجود . { بِمَا رَحُبَتْ } [ التوبة : 25 ] أي : بما وسعت ، { ثُمَّ وَلَّيْتُم } [ التوبة : 25 ] أي : أعرضتم عن الطلب لما احتجبتم بحجب العجب ، وانقطع عنكم إمداد الفيض الرباني غلب عليكم هوى النفوس حتى وليتم عمَّا توليتم من صدق القلب وجهاد النفوس ، { مُّدْبِرِينَ } [ التوبة : 25 ] إلى أسفل الطبيعة الحيوانية ، وذلك ليتحقق لكم أن من أقبل إلى الحق فبالحق أقبل ومن عدم توفيق الإقبال أدبر بلوم نفسه ، { ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ التوبة : 26 ] وهي واردات ترد على القلوب والأرواح المؤمنة ، { وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } [ التوبة : 26 ] من الفيض الرباني . { وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [ التوبة : 26 ] أي : النفوس المتمردة عذبها بنهيها عن هواها ، واستعمالها في أحكام الشريعة وآداب الطريقة ، وتزكيتها عن أوصافها ، { وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } [ التوبة : 26 ] أي : وذلك علاج النفوس المتمردة ، { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ } [ التوبة : 27 ] أي : من بعد ذلك العلاج ، { عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } [ التوبة : 27 ] يعني : يرد ما يشاء من النفوس بجذبة { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [ الفجر : 28 ] إلى حضرة جلاله ، وهذا إشارة إلى السير إلى الله بالله ، { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } [ التوبة : 27 ] بصفة مغفرته للسائرين إليه ، { رَّحِيمٌ } [ التوبة : 27 ] بهم فيما يغفر لهم . ثم أخبر عن حال المشركين بقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } [ التوبة : 28 ] الإِشارة فيها : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } يشير الخطاب إلى الأرواح المؤمنة ، وإعلانها عن أحوال النفوس المشركة أنها نجس ونجاستها شركها ، أنها تعبد الدنيا والشيطان والهوى من دون الله ، { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } [ التوبة : 28 ] وهو القلب ، { بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } [ التوبة : 28 ] أي : بعد البلوغ ، وذلك أن الله تعالى قد رفع قلم التكليف عن الإنسان إلى أن يبلغ لاستكمال القالب ، ففي تلك الحالة كانت النفس وصفاتها تطفن حول كعبة القلب مستمدات من قوته العقلية والروحانية ، وبهذا يظفرون بمشتهياتهن من الدنيا ونعيمها حتى صار دأبهن تعبد الدنيا والإشراك بالله طبعهن ، وبذلك الكامل القالب واستوت أوصاف البشرية الحيوانية عند ظهور الشهوة بالبلوغ ، ثم أجرى الله عليهم قلم التكليف ، ونهى القلوب عن اتباع النفوس ، وأمرها بقتالها ونهاها عن طوافها لئلا تنجس كعبة القلب بنجاسة شرك النفس وأوصافها الذميمة . ثم قال تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } [ التوبة : 28 ] يعني : فاقة عن الحظوظ ، وذلك أن للقلب من الجهة التي تلي النفس حظوظاً يستلذ بها عند اتباع النفس واتصافه بصفاتها ، فلما منعت النفس عن طوافها حول القلب خاف القلب من فوات حظوظه من الشهوات بتبعية النفس فقال تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [ التوبة : 28 ] أي : بعد انقطاع تصرفات النفس عن القلب يغنيه الله من تلك الحظوظ بما يفتح عليه من فضل مواهبه من أنواره وآياته الربانية والشواهد والكشوف الرحمانية ، { إِن شَآءَ } [ التوبة : 28 ] فيه إشارة إلى أن ما عند الله لا ينال إلا بمشيئته ، { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ } [ التوبة : 28 ] بمستحق فضله ، { حَكِيمٌ } [ التوبة : 28 ] فيما حكم وقدر ، ثم أمر بقتال النفوس المشركة فقال تعالى : { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ التوبة : 29 ] أي : من النفوس ، { بِٱللَّهِ } [ التوبة : 29 ] بتعبده . { وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [ التوبة : 29 ] أي : يعملن لتعبد الدنيا وتمتعاً بها كالبهائم ، { وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ } [ التوبة : 29 ] من حب الدنيا وشهواتها ، فإنه رأس كل خطيئة ، { وَرَسُولُهُ } [ التوبة : 29 ] أي : وما حرَّم رسوله على نفسه منها ، { وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ } [ التوبة : 29 ] أي : لا يطلبون الله ، فإن دين الحق هو طلبه . { مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } [ التوبة : 29 ] أي : من النفوس التي ألهمت بالإلهامات الربانية والخواطر الرحمانية ، ثم غلب عليها الهوى ومالت إلى الدنيا وشهواتها وما عملت بما ألهمت ، فأمر بقتالها وجهادها وما خالفتها ، { حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ } [ التوبة : 29 ] وجزيتها معاملاتها على خلاف طبعها ، { عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } [ التوبة : 29 ] يعني : عن حكم صاحب قوة وهو الشرع وعن عجز وعن ذل وهوان .