Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 20-24)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن أهل الوفاق بعد ذكر أهل النفاق بقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ } [ التوبة : 20 ] الإشارة فيهما : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي : القلوب المؤمنة ، { وَهَاجَرُواْ } أي : الأرواح المهاجرة إلى القوالب والأجساد ، { وَجَاهَدُواْ } [ التوبة : 20 ] أي : القلوب والأرواح التي جاهدت النفوس ، { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ التوبة : 20 ] أي : في طلب الله والسير إليه ، { بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } [ التوبة : 20 ] أي : ببذل الوجود والموجود جميعاً في الله . { أَعْظَمُ دَرَجَةً } [ التوبة : 20 ] أي : قربة ، { عِندَ ٱللَّهِ } [ التوبة : 20 ] أي : في مقام العندية من النفوس المتمردة ، { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ } [ التوبة : 20 ] الناجون من حجب الوجود المجازي ، { يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم } [ التوبة : 21 ] بعد الخلاص عن حبس الوجود ، { بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ } [ التوبة : 21 ] أي : بتجلي صفات لطفه ، { وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ } [ التوبة : 21 ] من فراديس القلوب ، { فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ } [ التوبة : 21 ] من الشواهد والكشوف ، { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [ التوبة : 22 ] أي : في الازدياد أبد الآباد يعني : من وصل إلى مقام العندية ، فالله العظيم أجره أي : يجده في مقام العندية . ثم أخبر عن ترك موالاة الكفار وإن كانوا آباءً وأقرباء بقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَانِ } [ التوبة : 23 ] الآيتين : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } يشير إلى القلوب شواهد الحق ، { لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ } أي : الأرواح ، { وَإِخْوَانَكُمْ } أي : النفوس ، فإن بازدواج الأرواح والأشباح تولدت القلوب والنفوس منها ، فالأرواح للقلوب بمثابة الآباء والنفوس بمثابة الإخوان . ثم اعلم أن لكل واحد من الروح والقلب والنفس كفراً وإيماناً مناسباً لحاله ، والكفر : هو الستر والحجاب ، والإيمان : هو الشهود والكشف ، فكفر بالروح من حجاب الأنانية الروحانية والبقاء مع الله تعالى ، وإيمانه بالفناء عن أنانيته في الله وبقائه بالله ، وكفر القلب : موته ومرضه وصممه وبكمه وعماه وهو الكفر الحقيقي ، وإيمانه : سلامته عن هذه والعلل والآفات وإحيائه بالنور الساطع الرباني من كتابة الله فيه بقلم الكرم ، به يشاهد الحق تعالى ويكاشف بصفاته وهو الإيمان الحقيقي ومعدنه القلب . وكفر النفس : انهماكها في شهوات الدنيا واستغراقها باستيفاء لذاتها وبقاء صفاتها الحيوانية والشيطانية ، وإيمانها : بخروجها عن صفاتها الطبيعة الظلمانية إلى الأخلاق الروحانية الشرعية النورانية واطمئنانها بالذكر وأنسها مع الله ، فربما تكون بعض هذه الخلقة مؤمناً وبعضها كافراً ، فمعنى الآية يشير إلى أن القلوب المؤمنة لا ينبغي أن يتخذوا آباءهم الأرواح وإخوانهم النفوس أولياء ، ولا يتركوا عداوتهم بترك الجهاد معهم { إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَانِ } أي : اختاروا الوقوف مع أوصافهم فيه كفرهم ولا يخرجون من ظلمات طباعهم إلى أنوار مواهب الحق تعالى . قال تعالى : { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ } [ التوبة : 23 ] يعني : كل قلب مؤمن يواسي الروح والنفس في استحبابها الكفر ، ولا يجاهدها ليخرجهما من كفر طبعهما إلى نور إيمانهما { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } [ التوبة : 23 ] الواضعون المداراة والمواساة في غير موضعها ، فإن المداراة في الطريق كفر . وفي قوله تعالى : { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ } [ التوبة : 24 ] أي : الآخرة ، إشارة إلى أن أصل الدين هو محبة الله تعالى ، وأن صرفه استعداد محبة الله في هذه الأشياء المذكورة فيها فسق وهو الخروج من محبة الخالق ، من أثر محبة المخلوق فقد أبطل الاستعداد الفطري لقبول الفيض الإلهي ، واستوجب الحرمان وإدراكه القهر والخذلان ، ولهذا قال تعالى : { فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } [ التوبة : 24 ] أي : بقهره ، { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } [ التوبة : 24 ] الخارجين عن حسن الاستعداد ؛ يعني : لا يهديهم إلى حضرة جلاله وقبول فيض جماله بعد إبطال حسن الاستعداد .