Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 55-59)

Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ } [ التوبة : 55 ] يعني : أصحاب النفوس المتمردة ، { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا } [ التوبة : 55 ] بتلك الأموال والأولاد ، { فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا } [ التوبة : 55 ] أي : في مدة العمر يعذبهم بها أن يشغلهم بها ويلهيهم عن ذكر الله وطاعته ومحبته وطلبه بذكرها ومحبتها وطلبها ، كما قال تعالى : { لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } [ المنافقون : 9 ] ، وقوله تعالى : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ } يدل على أن الله تعالى يريد الكفر للكافرين ، وألاَّ يرضى الكفر كما قال تعالى : { وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ } [ التوبة : 55 ] والكافر كافران : كافر يجحد المنعم ، وكافر يجحد النعمة . { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ } [ التوبة : 56 ] يعني : النفس وصفاتها مع الروح والقلب والسر عند استيلائهم عليها والظفر بها ، { إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ } [ التوبة : 56 ] في أصل الخلقة والجبلة يعني : على سجيتكم وسيرتكم ، { وَمَا هُم مِّنكُمْ } [ التوبة : 56 ] لأن منشأكم عالم الأمر والأرواح ومنشأهم عالم الخلق والأشباح . { وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } [ التوبة : 56 ] من سطوات قهركم عند غلبات الأنوار الروحانية ، فإن النفس وصفاتها لما انعكست عليها أنواع الفيض الرباني عن مرآة القلب انكسرت ظلمة طبيعتها وانخمدت نار شهواتها ، فتفزع من فنائها وهلاكها بالكلية ، فتلتجئ إلى الروح والقلب والسر وتخدعهم بالحلف كما خدع إبليس آدم وحواء بالحلف كقوله تعالى : { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [ الأعراف : 21 ] { فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } [ الأعراف : 22 ] ، فتريد النفس أن تدلي الروح والقلب بغرور ، { إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ } يعني : في الطاعة ، { لَوْ يَجِدُونَ } [ التوبة : 57 ] يعني : النفس وصفاتها ، { مَلْجَئاً } [ التوبة : 57 ] أي : مهرباً ومفرّاً ، { أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً } [ التوبة : 57 ] يتخلصون بها عن استيلاء الروح وصفاتها ، { لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } [ التوبة : 57 ] عن الانقياد والعبودية . ثم أخبر عن الرضا بالعطاء والرضا بما قضى المولى بقوله تعالى : { وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ } [ التوبة : 58 ] الآيتان تشير الأولى إلى النفاق وأهله بأن رضا المنافق وسخطه في إعطاء الدنيا ومتاعها وفي المنع عنها ؛ لأن النفاق تزيين الظاهر بأركان الإسلام ، وتعطيل الباطن عن أنوار الإيمان ، والقلب العطل عن نور الإيمان يكون مزيناً له بظلمة الكفر وحب الدنيا ، فلا يرضى إلا بوجدان الدنيا ويسخط بفقدها . { وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } [ التوبة : 59 ] يشير إلى أن الرضا بالقضاء من أمارات الإيمان وتزيين القلب بنوره ، فلما حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم شاهدوا بنور الإيمان شواهد الحق ، { وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ } [ التوبة : 59 ] فإن الله كافٍ لعبده ، ومن وجد الله فقد ما دونه ؛ لأن فقدان الله في وجدان ما سواه ، ووجدانه في فقدان ما سواه ، ومن وجده يرضى به ويقول : { سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ } [ التوبة : 59 ] من الوحي والبيان والدلائل والبرهان ، { إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ } [ التوبة : 59 ] لا إلى الدنيا والعقبى وما فيها غير المولى .