Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 60-63)
Tafsir: at-Taʾwīlāt an-naǧmiyya fī at-tafsīr al-ʾišārī aṣ-ṣūfī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم أخبر عن مستحقي الصدقات ومصارفها وما فيها غير المولى ومستعدي المواهب وعوارفها بقوله تعالى : { إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ } [ التوبة : 60 ] إنما الصدقات هي صدقات الله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم : " ما من يوم وليلة ولا ساعة إلا لله فيها صدقة يتصدق بها على من يشاء من عباده الفقراء ، وهم الأغنياء بالله الفانون عنهم الباقون به " ، وهذا حقيقة قوله صلى الله عليه وسلم : " والفُقَرَاءُ الصُّبَّرُ هُمْ جُلَسَاءُ اللهِ يوم القيامة " وهو سر ما قال الواسطي : الفقير لا يحتاج إلى الله ؛ وذلك لأنه غني به ، والشيء بالشيء لا يحتاج إليه . { وَٱلْمَسَاكِينِ } [ التوبة : 60 ] وهم الذين لهم بقية أوصاف الوجود ، فهم في سفينة بحر الطلب وقد خرقها خضر المحبة { وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } [ الكهف : 79 ] . { وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا } [ التوبة : 60 ] وهم أرباب الأعمال كما كان الفقراء والمساكين أصحاب الأحوال . { وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ } [ التوبة : 60 ] وهم الذين يتألفون قلوبهم بذكر الله إلى الله المتقربون إليه بالتباعد عما سواه . { وَفِي ٱلرِّقَابِ } [ التوبة : 60 ] وهم المكاتبون قلوبهم عن رق الموجودات تحريّاً لعبودية موجدها والمكاتب عبد ما بقى عليه درهم ، { وَٱلْغَارِمِينَ } [ التوبة : 60 ] وهم الذين استقرضوا من مراتب المكونات أوصافها وطبعائها وخواصها وهم محبوسون في سجن الوجود بقروضهم وإنهم في استخلاص ذممهم عن القروض بردها ، فهم معاونون بتلك الصدقات للخلاص من حبس الوجود ، { وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ التوبة : 60 ] وهم الغزاة المجاهدون في الجهاد الأكبر وهو الجهاد مع كفار النفوس والهوى والشيطان والدنيا . { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } [ التوبة : 60 ] وهم المسافرون عن أوطان الطبيعة والبشرية السائرون إلى الله على أقدام الشريعة والطريقة بسفارة الأنبياء والأولياء ، { فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ } [ التوبة : 60 ] أي : هذا السير والجهاد ورد القرض والحرية عن رق الموجودات وتألف القلوب إلى الله واستعمال أعمال الشريعة ، والتمسكن والافتقار إلى الله طلباً للاستغناء به أمر واجب على العباد من الله ، وهذه الصدقات من المواهب الربانية والألطاف الإلهية للطالبين الصداقين أمر أوجبه الله تعالى في ذمة كرمه لهم كما قال تعالى : " ألا من طلبني وجدني " . { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } [ التوبة : 60 ] بطالبيه ، { حَكِيمٌ } [ التوبة : 60 ] فيما يعادونهم على الطلب للوجدان كما قال تعالى : " من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً " . ثم أخبر عن المنافقين المؤذين بقوله تعالى : { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ } [ التوبة : 61 ] إلى قوله : { ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ } [ التوبة : 63 ] يشير إلى أن من أمارات النفاق إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم ، ورؤية محامده بنظر المذمة والعيب كما قالوا : هو أذن يسمع ما يقال ، عابوه به ، وقد مدحه الله به فقال : { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ } [ التوبة : 61 ] يعني : سامعية خير لكم ؛ لأن له مقام السامعية ، فيسمع لما أوحى الله إليه إمَّا بواسطة الملك ، وإمَّا بغير الواسطة كما قال تعالى : { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } [ النجم : 10 ] فيبلغكم رسالات ربه ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة . { يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } [ التوبة : 61 ] أي : يكون إيمانه بشهود نور الله إيماناً غيباً بما نزل إليه من ربه بلا واسطة كما كان ليلة المعراج بقوله تعالى : { ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ } [ البقرة : 285 ] يعني : بلا واسطة إيماناً عينياً لا إيماناً غيبياً كما كان يؤمن بما أنزل به الروح الأمين على قلبه ، { وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ التوبة : 61 ] أي : فوائد إيمانه تعود إلى المؤمنين كما تعود إلى نفسه . { وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ } [ التوبة : 61 ] يعني : النبي صلى الله عليه وسلم وهو صورة رحمة الحق لمن آمن منكم واهتدى بهداه ، { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ } [ التوبة : 61 ] بأقوالهم وأفعالهم وأحوالهم ، { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ التوبة : 61 ] هو عذاب البعد والقطيعة ؛ يعني : إيذاؤهم لرسول الله من نتائج عذاب البعد ولو كانوا أهل القرب لم ينتج منهم الإيذاء . { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ } [ التوبة : 62 ] يعني : لكم بالنفاق لا بالله بالإخلاص ، { لِيُرْضُوكُمْ } [ التوبة : 62 ] بالنفاق ، { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] يرضوه بالإخلاص ، { إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } [ التوبة : 62 ] لأن من أمارات الإيمان طلب رضا الله ورسوله ، { أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [ التوبة : 63 ] جهلاً وكفراً ، { فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ } [ التوبة : 63 ] لأنه خلق لها وهي خلقت له ، { خَالِداً فِيهَا } [ التوبة : 63 ] وهي نار القطيعة ، { ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ٱلْعَظِيمُ } [ التوبة : 63 ] يعني : الخلود في نار القطيعة من الله العظيم هو الخزي العظيم .