Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 37-41)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : { وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي : غير ممكن ولا متصور ، أن يفترى هذا القرآن على الله تعالى ، لأنه الكتاب العظيم الذي { لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [ فصلت : 42 ] وهو الكتاب الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا ، وهو كتاب الله الذي تكلم به [ رب العالمين ] ، فكيف يقدر أحد من الخلق أن يتكلم بمثله ، أو بما يقاربه ، والكلام تابع لعظمة المتكلم ووصفه ؟ ! ! فإن كان أحد يماثل الله في عظمته وأوصاف كماله ، أمكن أن يأتي بمثل هذا القرآن ، ولو تنزلنا على الفرض والتقدير ، فَتَقَوَّله أحد على رب العالمين ، لعاجله بالعقوبة وبادره بالنكال . { وَلَـٰكِن } الله أنزل هذا الكتاب رحمة للعالمين ، وحجة على العباد أجمعين . أنزله { تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } من كتب الله السماوية ، بأن وافقها وصدقها بما شهدت به ، وبشرت بنزوله ، فوقع كما أخبرت . { وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ } للحلال والحرام ، والأحكام الدينية والقدرية ، والإخبارات الصادقة . { لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } أي : لا شك ولا مرية فيه بوجه من الوجوه ، بل هو الحق اليقين : تنزيل من رب العالمين الذي ربَّى جميع الخلق بنعمه . ومن أعظم أنواع تربيته أن أنزل عليهم هذا الكتاب الذي فيه مصالحهم الدينية والدنيوية ، المشتمل على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال . { أَمْ يَقُولُونَ } أي : المكذبون به عناداً وبغياً : { ٱفْتَرَاهُ } محمد على الله ، واختلقه ، { قُلْ } لهم - ملزماً لهم بشيء - إن قدروا عليه ، أمكن ما ادعوه ، وإلا كان قولهم باطلاً . { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } يعاونكم على الإتيان بسورة مثله ، وهذا محال ، ولو كان ممكناً لادعوا قدرتهم على ذلك ، ولأتوا بمثله . ولكن لما بان عجزهم تبين أن ما قالوه باطل ، لا حظ له من الحجة ، والذي حملهم على التكذيب بالقرآن المشتمل على الحق الذي لا حق فوقه ، أنهم لم يحيطوا به علماً . فلو أحاطوا به علماً وفهموه حق فهمه ، لأذعنوا بالتصديق به ، وكذلك إلى الآن لم يأتهم تأويله الذي وعدهم أن ينزل بهم العذاب ويحل بهم النكال ، وهذا التكذيب الصادر منهم من جنس تكذيب من قبلهم ، ولهذا قال : { كَذَلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } وهو الهلاك الذي لم يبق منهم أحداً . فليحذر هؤلاء أن يستمروا على تكذيبهم ، فيحل بهم ما أحل بالأمم المكذبين والقرون المهلكين . وفي هذا دليل على التثبت في الأمور ، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يبادر بقبول شيء أو رده قبل أن يحيط به علماً . { وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ } أي : بالقرآن وما جاء به ، { وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِٱلْمُفْسِدِينَ } وهم الذين لا يؤمنون به على وجه العناد والظلم والفساد ، فسيجازيهم على فسادهم بأشد العذاب . { وَإِن كَذَّبُوكَ } فاستمر على دعوتك ، وليس عليك من حسابهم من شيء ، وما من حسابك عليهم من شيء ، لكل عمله . { فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } كما قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } [ الجاثية : 15 ] .