Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 19-24)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى : مفرقاً بين أهل العلم والعمل وبين ضدهم : { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ } ففهم ذلك وعمل به . { كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ } لا يعلم الحق ولا يعمل به ، فبينهما من الفرق ، كما بين السماء والأرض ، فحقيق بالعبد أن يتذكر ويتفكر ، أيُّ الفريقين أحسن حالاً وخير مآلاً ، فيؤثر طريقها ، ويسلك خلف فريقها ، ولكن ما كل أحد يتذكر ما ينفعه ويضره . { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } أي : أولو العقول الرزينة ، والآراء الكاملة ، الذين هم لُبُّ العالم ، وصفوة بني آدم ، فإن سألت عن وصفهم ، فلا تجد أحسن من وصف الله لهم بقوله : { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ } الذي عهده إليهم ، والذي عاهدهم عليه من القيام بحقوقه كاملة موفرة ، فالوفاء بها توفيتها حقها من التتميم لها ، والنصح فيها ، { وَ } من تمام الوفاء بها أنهم { لاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ } أي : العهد الذي عاهدوا عليه الله ، فدخل في ذلك جميع المواثيق والعهود والأيْمَانُ والنذور ، التي يعقدها العباد . فلا يكون العبد من أولي الألباب الذين لهم الثواب العظيم ، إلا بأدائها كاملة ، وعدم نقضها وبخسها . { وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } وهذا عام في كلِّ ما أمر الله بوصله ، من الإيمان به وبرسوله ، ومحبته ومحبة رسوله ، والانقياد لعبادته وحده لا شريك له ، ولطاعة رسوله . ويصلون آباءهم وأمهاتهم ، ببرهم بالقول والفعل ، وعدم عقوقهم ، ويصلون الأقارب والأرحام ، بالإحسان إليهم قولاً وفعلاً . ويصلون ما بينهم وبين الأزواج والأصحاب والمماليك ، بأداء حقهم كاملاً موفراً ، من الحقوق الدينية والدنيوية . والسبب الذي يجعل العبد واصلاً ما أمر الله به أن يوصل ، خشية الله وخوف يوم الحساب ، ولهذا قال : { وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } أي : يخافونه ، فيمنعهم خوفهم منه ، ومن القدوم عليه يوم الحساب ، أن يتجرؤوا على معاصي الله ، أو يقصروا في شيء مما أمر الله به ، خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب . { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ } على المأمورات بالامتثال ، وعن المنهيات بالانكفاف عنها والبعد منها ، وعلى أقدار الله المؤلمة بعدم تسخطها . ولكن بشرط أن يكون ذلك الصبر { ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ } لا لغير ذلك من المقاصد والأغراض الفاسدة ، فإن هذا هو الصبر النافع الذي يحبس به العبد نفسه ، طلباً لمرضاة ربه ، ورجاء للقرب منه ، والحظوة بثوابه ، وهو الصبر الذي من خصائص أهل الإيمان ، وأما الصبر المشترك الذي غايته التجلد ، ومنتهاه الفخر ، فهذا يصدر من البر والفاجر ، والمؤمن والكافر ، فليس هو الممدوح على الحقيقة . { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } بأركانها ، وشروطها ومكملاتها ، ظاهراً وباطناً ، { وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً } دخل في ذلك النفقات الواجبة كالزكوات والكفارات ، والنفقات المستحبة ، وأنهم ينفقون حيث دعت الحاجة إلى النفقة ، سراً وعلانية ، { وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ } أي : من أساء إليهم بقول أو فعل ، لم يقابلوه بفعله ، بل قابلوه بالإحسان إليه . فيعطون من حرمهم ، ويعفون عمن ظلمهم ، ويصلون من قطعهم ، ويحسنون إلى من أساء إليهم ، وإذا كانوا يقابلون المسيء بالإحسان ، فما ظنك بغير المسيء ؟ ! { أُوْلَـٰئِكَ } الذين وصفت صفاتهم الجليلة ومناقبهم الجميلة { لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } فسرها بقوله : { جَنَّاتُ عَدْنٍ } أي : إقامة لا يزولون عنها ، ولا يبغون عنها حِوَلاً ، لأنهم لا يرون فوقها غاية لما اشتملت عليه من النعيم والسرور ، الذي تنتهي إليه المطالب والغايات . ومن تمام نعيمهم وقرة أعينهم أنهم { يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ } من الذكور والإناث { وَأَزْوَاجِهِمْ } أي : الزوج أو الزوجة وكذلك النظراء والأشباه ، والأصحاب والأحباب ، فإنهم من أزواجهم وذرياتهم ، { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ } يهنئونهم بالسلامة وكرامة الله لهم ويقولون : { سَلاَمٌ عَلَيْكُم } أي : حلَّتْ عليكم السلامة والتحية من الله وحصلت لكم ، وذلك متضمن لزوال كل مكروه ، ومستلزم لحصول كل محبوب . { بِمَا صَبَرْتُمْ } أي : صبركم هو الذي أوصلكم إلى هذه المنازل العالية ، والجنان الغالية ، { فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } . فحقيق بمن نصح نفسه وكان لها عنده قيمة ، أن يجاهدها ، لعلها تأخذ من أوصاف أولي الألباب بنصيب ، لعلها تحظى بهذه الدار ، التي هي منية النفوس ، وسرور الأرواح الجامعة لجميع اللذات والأفراح ، فلمثلها فليعمل العاملون ، وفيها فليتنافس المتنافسون .