Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 2-4)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يخبر تعالى عن انفراده بالخلق والتدبير ، والعظمة والسلطان الدال على أنه وحده المعبود ، الذي لا تنبغي العبادة إلا له ، فقال : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } على عظمها واتساعها بقدرته العظيمة ، { بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } أي : ليس لها عمد من تحتها ، فإنه لو كان لها عمد ، لرأيتموها ، { ثُمَّ } بعد ما خلق السماوات والأرض { ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } العظيم الذي هو أعلى المخلوقات ، استواء يليق بجلاله ويناسب كماله . { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ } لمصالح العباد ومصالح مواشيهم وثمارهم ، { كُلٌّ } من الشمس والقمر { يَجْرِي } بتدبير العزيز العليم ، { لأَجَلٍ مُّسَمًّـى } بسير منتظم ، لا يفتران ولا ينيان ، حتى يجيء الأجل المسمى وهو طَيُّ الله هذا العالم ، ونقلهم إلى الدار الآخرة التي هي دار القرار ، فعند ذلك يطوي الله السماوات ، ويبدلها ، ويغير الأرض ويبدلها . فتكور الشمس والقمر ، ويجمع بينهما ، فيلقيان في النار ، ليرى من عبدهما أنهما غير أهل للعبادة فيتحسر بذلك أشد الحسرة ، وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين . وقوله { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } هذا جمع بين الخلق والأمر ، أي : قد استوى الله العظيم على سرير الملك ، يدبر الأمور في العالم العلوي والسفلي ، فيخلق ويرزق ، ويغني ويفقر ، ويرفع أقواماً ويضع آخرين ، ويعز ويذل ، ويخفض ويرفع ، ويقيل العثرات ، ويفرج الكربات ، وينفذ الأقدار في أوقاتها التي سبق بها علمه ، وجرى بها قلمه ، ويرسل ملائكته الكرام لتدبير ما جعلهم على تدبيره . وينزل الكتب الإلهية على رسله ، ويبين ما يحتاج إليه العباد من الشرائع والأوامر والنواهي ، ويفصلها غاية التفصيل ببيانها وإيضاحها وتمييزها ، { لَعَلَّكُمْ } بسبب ما أخرج لكم من الآيات الأفقية ، والآيات القرآنية ، { بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } فإن كثرة الأدلة وبيانها ووضوحها ، من أسباب حصول اليقين في جميع الأمور الإلهية ، خصوصاً في العقائد الكبار ، كالبعث والنشور والإخراج من القبور . وأيضاً فقد علم أن الله تعالى حكيم لا يخلق الخلق سدى ، ولا يتركهم عبثاً ، فكما أنه أرسل رسله وأنزل كتبه لأمر العباد ونهيهم ، فلا بد أن ينقلهم إلى دار يحل فيها جزاؤه ، فيجازي المحسنين بأحسن الجزاء ، ويجازي المسيئين بإساءتهم . { وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ } أي : خلقها للعباد ، ووسعها وبارك فيها ومهدها للعباد ، وأودع فيها من مصالحهم ما أودع ، { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ } أي : جبالاً عظاماً ، لئلا تميد بالخلق ، فإنه لولا الجبال لمادت بأهلها ، لأنها على تيار ماء ، لا ثبوت لها ولا استقرار إلا بالجبال الرواسي ، التي جعلها الله أوتاداً لها . { وَ } جعل فيها { أَنْهَاراً } تسقي الآدميين وبهائمهم وحروثهم ، فأخرج بها من الأشجار والزروع والثمار خيراً كثيراً ولهذا قال : { وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } أي : صنفين مما يحتاج إليه العباد . { يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ } فتظلم الآفاق ، فيسكن كل حيوان إلى مأواه ، ويستريحون من التعب والنصب في النهار ، ثم إذا قضوا مأربهم من النوم ، غشي النهار الليل ، فإذا هم مصبحون منتشرون في مصالحهم وأعمالهم في النهار . { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ القصص : 73 ] . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ } على المطالب الإلهية { لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } فيها ، وينظرون فيها نظر اعتبار دالة على أن الذي خلقها ودبرها وصرفها ، هو الله الذي لا إله إلا هو ، ولا معبود سواه ، وأنه عالم الغيب والشهادة ، الرحمن الرحيم ، وأنه القادر على كل شيء ، الحكيم في كل شيء المحمود على ما خلقه وأمر به تبارك وتعالى . ومن الآيات على كمال قدرته وبديع صنعته ، أن جعل { وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ } فيها أنواع الأشجار { مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ } وغير ذلك ، والنخيل التي بعضها { صِنْوَانٌ } أي : عدة أشجار في أصل واحد ، { وَغَيْرُ صِنْوَانٍ } بأن كان كل شجرة على حدتها ، والجميع { يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ } وأرضه واحدة { وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ } لوناً ، وطعماً ، ونفعاً ، ولذة فهذه أرض طيبة تنبت الكلأ والعشب الكثير ، والأشجار والزروع ، وهذه أرض تلاصقها لا تنبت كلأ ولا تمسك ماء وهذه تمسك الماء ، ولا تنبت الكلأ ، وهذه تنبت الزروع والأشجار ، ولا تنبت الكلأ ، وهذه الثمرة حلوة ، وهذه مرة ، وهذه بين ذلك . فهل هذا التنوع في ذاتها وطبيعتها ؟ أم ذلك تقدير العزيز الرحيم ؟ { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } أي : لقوم لهم عقول تهديهم إلى ما ينفعهم ، وتقودهم إلى ما يرشدهم ويعقلون عن الله وصاياه وأوامره ونواهيه ، وأما أهل الإعراض ، وأهل البلادة فهم في ظلماتهم يعمهون ، وفي غيهم يترددون ، لا يهتدون إلى ربهم سبيلاً ولا يعون له قيلاً .