Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 13-17)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر دعوة الرسل لقومهم ودوامهم على ذلك ، وعدم مللهم ، ذكر منتهى ما وصلت بهم الحال مع قومهم فقال : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ } متوعدين لهم { لَنُخْرِجَنَّـكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } وهذا أبلغ ما يكون من الرد ، وليس بعد هذا فيهم مطمع ، لأنه ما كفاهم أن أعرضوا عن الهدى ، بل توعدوهم بالإخراج من ديارهم ونسبوها إلى أنفسهم ، وزعموا أن الرسل لا حقَّ لهم فيها ، وهذا من أعظم الظلم ، فإن الله أخرج عباده إلى الأرض وأمرهم بعبادته ، وسخر لهم الأرض وما عليها يستعينون بها على عبادته . فمن استعان بذلك على عبادة الله ، حل له ذلك وخرج من التبعة ، ومن استعان بذلك على الكفر وأنواع المعاصي ، لم يكن ذلك خالصاً له ، ولم يحل له ، فعلم أن أعداء الرسل في الحقيقة ليس لهم شيء من الأرض التي توعدوا الرسل بإخراجهم منها . وإن رجعنا إلى مجرد العادة فإن الرسل من جملة أهل بلادهم ، وأفراد منهم ، فلأي شيء يمنعونهم حقاً لهم صريحاً واضحاً ؟ ! هل هذا إلا من عدم الدين والمروءة بالكلية ؟ ولهذا لما انتهى مكرهم بالرسل إلى هذه الحال ، ما بقي حينئذ إلا أن يمضي الله أمره ، وينصر أولياءه ، { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّالِمِينَ } بأنواع العقوبات . { وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذٰلِكَ } أي : العاقبة الحسنة التي جعلها الله للرسل ومن تبعهم جزاء { لِمَنْ خَافَ مَقَامِي } عليه في الدنيا ، وراقب الله مراقبة من يعلم أنه يراه ، { وَخَافَ وَعِيدِ } أي : ما توعدت به من عصاني ، فأوجب له ذلك الانكفاف عما يكرهه الله ، والمبادرة إلى ما يحبه الله . { وَٱسْتَفْتَحُواْ } أي : الكفار ، أي : هم الذين طلبوا واستعجلوا فتح الله وفرقانه بين أوليائه وأعدائه ، فجاءهم ما استفتحوا به وإلا فالله حليم لا يعاجل من عصاه بالعقوبة ، { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } أي : خسر في الدنيا والآخرة من تجبر على الله وعلى الحق وعلى عباد الله ، واستكبر في الأرض ، وعاند الرسل وشاقَّهم . { مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ } أي : جهنم لهذا الجبار العنيد بالمرصاد ، فلا بد له من ورودها ، فيذاق حينئذ العذاب الشديد ، { وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ } في لونه وطعمه ورائحته الخبيثة ، وهو في غاية الحرارة . { يَتَجَرَّعُهُ } من العطش الشديد { وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ } فإنه إذا قرب إلى وجهه شواه وإذا وصل إلى بطنه قطع ما أتى عليه من الأمعاء ، { وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ } أي : يأتيه العذاب الشديد من كل نوع من أنواع العذاب ، وكل نوع منه من شدته يبلغ إلى الموت ، ولكن الله قضى أن لا يموتوا كما قال تعالى : { لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا } [ فاطر : 36 - 37 ] . { وَمِن وَرَآئِهِ } أي : الجبار العنيد { عَذَابٌ غَلِيظٌ } أي : قوي شديد ، لا يعلم وصفه وشدته إلا الله تعالى .