Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 9-12)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخوفاً عباده ما أحله بالأمم المكذبة حين جاءتهم الرسل ، فكذبوهم ، فعاقبهم بالعقاب العاجل الذي رآه الناس وسمعوه فقال : { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ } وقد ذكر الله قصصهم في كتابه وبسطها ، { وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ } من كثرتهم وكون أخبارهم اندرست . فهؤلاء كلهم { جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } أي : بالأدلة الدالة على صدق ما جاؤوا به ، فلم يرسل الله رسولاً إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر ، فحين أتتهم رسلهم بالبينات لم ينقادوا لها بل استكبروا عنها ، { فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ } أي : لم يؤمنوا بما جاؤوا به ، ولم يتفوهوا بشيء مما يدل على الإيمان كقوله { يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } [ البقرة : 19 ] . { وَقَالُوۤاْ } صريحاً لرسلهم : { إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } أي : موقع في الريبة ، وقد كذبوا في ذلك وظلموا . ولهذا { قَالَتْ } لهم { رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ } أي : فإنه أظهر الأشياء وأجلاها ، فمن شك في الله { فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } الذي وجود الأشياء مستند إلى وجوده ، لم يكن عنده ثقة بشيء من المعلومات ، حتى الأمور المحسوسة ، ولهذا خاطبتهم الرسل خطاب من لا يشك فيه ولا يصلح الريب فيه { يَدْعُوكُمْ } إلى منافعكم ومصالحكم { لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى } أي : ليثيبكم على الاستجابة لدعوته بالثواب العاجل والآجل ، فلم يدعكم لينتفع بعبادتكم ، بل النفع عائد إليكم . فردوا على رسلهم رد السفهاء الجاهلين { قَالُوۤاْ } لهم : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } أي : فكيف تفضلوننا بالنبوة والرسالة ، { تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا } فكيف نترك رأي الآباء وسيرتهم لرأيكم ؟ وكيف نطيعكم وأنتم بشر مثلنا ؟ { فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أي : بحجة وبينة ظاهرة ، ومرادهم بينة يقترحونها هم ، وإلا فقد تقدم أن رسلهم جاءتهم بالبينات . { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ } مجيبين عن اقتراحهم واعتراضهم : { إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } أي : صحيح وحقيقة ، أنَّا بشر مثلكم ، { وَلَـٰكِنَّ } ليس في ذلك ما يدفع ما جئنا به من الحق ، فإن { ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } فإذا من الله علينا بوحيه ورسالته ، فذلك فضله وإحسانه ، وليس لأحد أن يحجر على الله فضله ويمنعه من تفضله . فانظروا ما جئناكم به ، فإن كان حقاً فاقبلوه ، وإن كان غير ذلك فردوه ولا تجعلوا حالنا حجة لكم على رد ما جئناكم به ، وقولكم : { فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } فإن هذا ليس بأيدينا ، وليس لنا من الأمر شيء . { وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } فهو الذي إن شاء جاءكم به ، وإن شاء لم يأتكم به ، وهو لا يفعل إلا ما هو مقتضى حكمته ورحمته ، { وَعلَى ٱللَّهِ } لا على غيره { فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ } فيعتمدون عليه في جلب مصالحهم ودفع مضارهم ، لعلمهم بتمام كفايته وكمال قدرته ، وعميم إحسانه ، ويثقون به في تيسير ذلك ، وبحسب ما معهم من الإيمان يكون توكلهم . فعلم بهذا وجوب التوكل ، وأنه من لوازم الإيمان ، ومن العبادات الكبار التي يحبها الله ويرضاها ، لتوقف سائر العبادات عليه ، { وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا } . أي : أي شيء يمنعنا من التوكل على الله ، والحال أننا على الحق والهدى ، ومن كان على الحق والهدى ، فإن هداه يوجب له تمام التوكل ، وكذلك ما يعلم من أن الله متكفل بمعونة المهتدي وكفايته ، يدعو إلى ذلك ، بخلاف من لم يكن على الحق والهدى ، فإنه ليس ضامناً على الله ، فإن حاله مناقضة لحال المتوكل . وفي هذا كالإشارة من الرسل عليهم الصلاة والسلام لقومهم ، بآية عظيمة ، وهو أن قومهم - في الغالب - لهم القهر والغلبة عليهم ، فتحدتهم رسلهم بأنهم متوكلون على الله ، في دفع كيدكم ومكركم ، وجازمون بكفايته إياهم ، وقد كفاهم الله شرهم مع حرصهم على إتلافهم وإطفاء ما معهم من الحق ، فيكون هذا كقول نوح لقومه : { يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ } الآيات [ يونس : 71 ] . وقول هود عليه السلام قال : { إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } [ هود : 54 - 55 ] . { وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ آذَيْتُمُونَا } أي ولنستمرن على دعوتكم ووعظكم وتذكيركم ، ولا نبالي بما يأتينا منكم من الأذى ، فإنا سنوطن أنفسنا على ما ينالنا منكم من الأذى ، احتساباً للأجر ، ونصحاً لكم ، لعل الله أن يهديكم مع كثرة التذكير . { وَعَلَى ٱللَّهِ } وحده لا على غيره { فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } فإن التوكل عليه مفتاح لكل خير . واعلم أن الرسل عليهم الصلاة والسلام توكلهم في أعلى المطالب وأشرف المراتب ، وهو التوكل على الله في إقامة دينه ونصره ، وهداية عبيده ، وإزالة الضلال عنهم ، وهذا أكمل ما يكون من التوكل .