Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 47-52)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى : { فَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ } بنجاتهم ونجاة أتباعهم وسعادتهم وإهلاك أعدائهم وخذلانهم في الدنيا ، وعقابهم في الآخرة ، فهذا لا بد من وقوعه ، لأنه وعد به الصادق قولاً ، على ألسنة أصدق خلقه ، وهم الرسل ، وهذا أعلى ما يكون من الأخبار ، خصوصاً وهو مطابق للحكمة الإلهية ، والسنن الربانية ، وللعقول الصحيحة ، والله تعالى لا يعجزه شيء ، فإنه { عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ } . أي : إذا أراد أن ينتقم من أحد ، فإنه لا يفوته ولا يعجزه ، وذلك في يوم القيامة ، { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ } تبدل غير السماوات ، وهذا التبديل تبديل صفات ، لا تبديل ذات ، فإن الأرض يوم القيامة تسوى وتمد كمد الأديم ، ويلقى ما على ظهرها من جبل ومَعْلم ، فتصير قاعاً صفصفاً ، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً ، وتكون السماء كالمهل ، من شدة أهوال ذلك اليوم ، ثم يطويها الله تعالى بيمينه . { وَبَرَزُواْ } أي : الخلائق من قبورهم إلى يوم بعثهم ، ونشورهم في محل لا يخفى منهم على الله شيء ، { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } أي : المتفرد بعظمته وأسمائه وصفاته وأفعاله العظيمة ، وقهره لكل العوالم فكلها تحت تصرفه وتدبيره ، فلا يتحرك منها متحرك ولا يسكن ساكن إلا بإذنه . { وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ } أي : الذين وصفهم الإجرام ، وكثرة الذنوب ، في ذلك اليوم { مُّقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } أي : يسلسل كل أهل عمل من المجرمين بسلاسل من نار ، فيقادون إلى العذاب في أذل صورة وأشنعها وأبشعها . { سَرَابِيلُهُم } أي : ثيابهم { مِّن قَطِرَانٍ } وذلك لشدة اشتعال النار فيهم وحرارتها ، ونتن ريحها ، { وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ } التي هي أشرف ما في أبدانهم { ٱلنَّارُ } أي : تحيط بها ، وتصلاها من كل جانب ، وغير الوجوه من باب أولى وأحرى ، وليس هذا ظلماً من الله لهم ، وإنما هو جزاء لما قدموا وكسبوا ، ولهذا قال تعالى : { لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } من خير وشر بالعدل والقسط ، الذي لا جور فيه بوجه من الوجوه . { إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } كقوله تعالى : { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } [ الأنبياء : 1 ] ويحتمل أن معناه : سريع المحاسبة ، فيحاسب الخلق في ساعة واحدة ، كما يرزقهم ويدبرهم بأنواع التدابير في لحظة واحدة ، لا يشغله شأن عن شأن ، وليس ذلك بعسير عليه . فلما بين البيان المبين في هذا القرآن قال في مدحه : { هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ } أي : يتبلغون به ، ويتزودون إلى الوصول إلى أعلى المقامات وأفضل الكرامات ، لما اشتمل عليه من الأصول والفروع ، وجميع العلوم التي يحتاجها العباد . { وَلِيُنذَرُواْ بِهِ } لما فيه من الترهيب من أعمال الشر ، وما أعد الله لأهلها من العقاب ، { وَلِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } حيث صرف فيه من الأدلة والبراهين على ألوهيته ووحدانيته ، ما صار ذلك حق اليقين ، { وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } أي : العقول الكاملة ، ما ينفعهم فيفعلونه ، وما يضرهم فيتركونه ، وبذلك صاروا أولي الألباب والبصائر . إذ بالقرآن ازدادت معارفهم وآراؤهم ، وتنورت أفكارهم لما أخذوه غضاً طرياً فإنه لا يدعو إلا إلى أعلى الأخلاق والأعمال وأفضلها ، ولا يستدل على ذلك إلا بأقوى الأدلة وأبينها . وهذه القاعدة إذا تدرب بها العبد الذكي ، لم يزل في صعود ورقي على الدوام في كل خصلة حميدة .