Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 26-44)
Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يذكر تعالى نعمته وإحسانه على أبينا آدم عليه السلام ، وما جرى من عدوه إبليس ، وفي ضمن ذلك التحذير لنا من شره وفتنته ، فقال تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ } أي آدم عليه السلام { مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } أي : من طين قد يبس ، بعد ما خمر ، حتى صار له صلصلة وصوت ، كصوت الفخار ، والحمأ المسنون : الطين المتغير لونه وريحه من طول مكثه . { وَٱلْجَآنَّ } وهو : أبو الجن أي : إبليس { خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ } خلق آدم { مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ } أي : من النار الشديدة الحرارة ، فلما أراد الله خلق آدم قال للملائكة : { إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } جسداً تاماً { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } فامتثلوا أمر ربهم . { فَسَجَدَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } تأكيد بعد تأكيد ، ليدل على أنه لم يتخلف منهم أحد ، وذلك تعظيماً لأمر الله ، وإكراماً لآدم حيث علم ما لم يعلموا . { إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ } وهذه أول عداوته لآدم وذريته ، قال الله : { يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ } فاستكبر على أمر الله ، وأبدى العداوة لآدم وذريته ، وأعجب بعنصره ، وقال أنا خير من آدم . { قَالَ } الله معاقباً له على كفره واستكباره { فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } أي : مطرود مبعد من كل خير ، { وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ } أي : الذم والعيب ، والبعد عن رحمة الله { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } ففيها وما أشبهها دليل ، على أنه سيستمر على كفره وبعده من الخير . { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي } أي : أمهلني { إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } وليس إجابة الله لدعائه كرامة في حقه ، وإنما ذلك امتحان وابتلاء من الله له وللعباد ، ليتبين الصادق الذي يطيع مولاه دون عدوه ممن ليس كذلك ، ولذلك حذرنا منه غاية التحذير ، وشرح لنا ما يريده منا . { قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أي أزين لهم الدنيا ، وأدعوهم إلى إيثارها على الأخرى ، حتى يكونوا منقادين لكل معصية . { وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } أي : أصدهم كلهم عن الصراط المستقيم ، { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } أي الذين أخلصتهم واجتبيتهم ، لإخلاصهم ، وإيمانهم ، وتوكلهم . قال الله تعالى : { هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ } أي : معتدل موصل إليَّ ، وإلى دار كرامتي . { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } تميلهم به إلى ما تشاء من أنواع الضلالات ، بسبب عبوديتهم لربهم وانقيادهم لأوامره ، أعانهم الله وعصمهم من الشيطان . { إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ } فرضي بولايتك وطاعتك ، بدلاً من طاعة الرحمن ، { مِنَ ٱلْغَاوِينَ } والغاوي : ضد الراشد ، فهو الذي عرف الحق وتركه ، والضال : الذي تركه من غير علم منه به . { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ } أي : إبليس وجنوده ، { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ } كل باب أسفل من الآخر ، { لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ } أي : من أتباع إبليس { جُزْءٌ مَّقْسُومٌ } بحسب أعمالهم ، قال الله تعالى : { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } [ الشعراء : 94 - 95 ] . ولما ذكر تعالى ما أعد لأعدائه أتباع إبليس من النكال والعذاب الشديد ، ذكر ما أعد لأوليائه من الفضل العظيم ، والنعيم المقيم فقال : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ … } .