Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 17-23)

Tafsir: Taysīr al-karīm ar-raḥmān fī tafsīr kalām al-mannān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ذكر تعالى ما خلقه من المخلوقات العظيمة ، وما أنعم به من النعم العميمة ، ذكر أنه لا يشبهه أحد ولا كفء له ولا ند له ، فقال : { أَفَمَن يَخْلُقُ } جميع المخلوقات ، وهو الفعال لما يريد { كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } شيئاً ، لا قليلاً ولا كثيراً ، { أَفَلا تَذَكَّرُونَ } فتعرفون أن المنفرد بالخلق أحق بالعبادة كلها ، فكما أنه واحد في خلقه وتدبيره ، فإنه واحد في إلهيته وتوحيده وعبادته . وكما أنه ليس له مشارك إذ أنشأكم وأنشأ غيركم ، فلا تجعلوا له أنداداً في عبادته ، بل أخلصوا له الدين ، { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ } عدداً مجرداً عن الشكر { لاَ تُحْصُوهَآ } فضلاً عن كونكم تشكرونها ، فإن نعمه الظاهرة والباطنة على العباد بعدد الأنفاس واللحظات ، من جميع أصناف النعم ، مما يعرف العباد ، ومما لا يعرفون ، وما يدفع عنهم من النقم فأكثر من أن تحصى ، { إِنَّ ٱللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } يرضى منكم باليسير من الشكر مع إنعامه الكثير . وكما أن رحمته واسعة ، وجوده عميم ، ومغفرته شاملة للعباد ، فعلمه محيط بهم ، { يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } بخلاف من عُبد من دونه ، فإنهم { لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً } قليلاً ولا كثيراً { وَهُمْ يُخْلَقُونَ } فكيف يخلقون شيئاً مع افتقارهم في إيجادهم إلى الله تعالى ؟ ! ! ومع هذا ، ليس فيهم من أوصاف الكمال شيء ، لا علم ، ولا غيره { أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ } فلا تسمع ، ولا تبصر ، ولا تعقل شيئاً ، أفتتخذ هذه آلهة من دون رب العالمين ، فتباً لعقول المشركين ما أضلها وأفسدها ، حيث ضلت في أظهر الأشياء فساداً ، وسووا بين الناقص من جميع الوجوه ، فلا أوصاف كمال ، ولا شيء من الأفعال ، وبين الكامل من جميع الوجوه الذي له كل صفة كمال ، وله من تلك الصفة أكملها وأعظمها ، فله العلم المحيط بكل الأشياء ، والقدرة العامة ، والرحمة الواسعة التي ملأت جميع العوالم ، والحمد والمجد والكبرياء والعظمة ، التي لا يقدر أحد من الخلق أن يحيط ببعض أوصافه ، ولهذا قال : { إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وَاحِدٌ } وهو الله الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يكن له كفواً أحد . فأهل الإيمان والعقول ، أجلته قلوبهم وعظمته ، وأحبته حباً عظيماً ، وصرفوا له كل ما استطاعوا من القربات البدنية والمالية ، وأعمال القلوب وأعمال الجوارح ، وأثنوا عليه بأسمائه الحسنى ، وصفاته وأفعاله المقدسة ، { فَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ } لهذا الأمر العظيم الذي لا ينكره إلا أعظم الخلق جهلاً وعناداً وهو : توحيد الله { وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } عن عبادته . { لاَ جَرَمَ } أي : حقاً لا بد { أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } من الأعمال القبيحة { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ } بل يبغضهم أشد البغض ، وسيجازيهم من جنس عملهم { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [ غافر : 60 ] .